السبت، 28 مارس 2015

طريقٌ إلى الماضي أو في البدء كانت القائمة

"شبيجل: ما الذي يجعلنا نضيع كل هذا الوقت في محاولة إكمال أشياء هي واقعيا لا يمكن أن تكتمل؟

إكو: لنا حد، وهذا محبط جدا، حد الإنسان: الموت. وذلك ما يجعلنا نحب كل الأشياء التي نفترض أنها بلا حدود، ومن ثم بلا نهاية. إنها وسيلة للهروب من التفكير في الموت. نحن نحب القوائم لأننا لا نريد أن نموت." (1)

***

          لو أنّ أحدًا أخبره بما سيلقاه في ذلك اليوم، ربما لتغيرت أشياء كثيرة. لكن، من خلال معرفتي به لا أظنّ أنه سيسعى لأن يغير شيئًا. كان سيلبس ملابسه، ويذهب ليواجه قدره بكامل قلقه وتساؤلاته. قال لي مرّة: "لو أنّ الحافلة يومها انقلبت على ظهرها، لكان أخف وطأة من انثيال الذاكرة الرهيب ذاك. لكن لا يهم، فالحادثة مرّت كما يمرّ كلّ شيء".

***

          عادة ما تتشابه الصباحات. الروتين نفسه يتكرر يوميًا، لا شيء فاتنٌ في هذا. لكن اليوم، كان عليّ أن أكسر الروتين بالذهاب إلى إربد. في انتظار موعد انطلاق حافلة شركة "حجازي" الذاهبة من عمّان إلى إربد، دائمًا ما ينقبض صدري. أحاول الترويح عن نفسي بالقراءة، لكنّ التركيز على شيء بعينه في مثل هذا الوقتِ المبكر أمرٌ غاية في الصعوبة. كلّما انشقّت فسحة بين سحابتين، وداعب خيط من الشمس مساحة من الأرض أشعر بأن عمّان تتثاءب. ألمحُ شابًا يمسك صدغيه وهو يمشي في المجمع بمنامته، فيتعاظم ذلك الشعور داخلي. مرّت ربع ساعة قبل أن يحين موعد الانطلاق.

          سلوان راكب المواصلات الوحيد في هذا البلد، هو النافذة. أن تجلس بعيدًا عنها، بلا شريكٍ يؤنس وحدتك، يعني أن تسلم نفسك لكآبة بحجم طولِ الطريق. النوافذ أبوابٌ مشرعةٌ على عوالمَ كثيرة. في صغري، كنت أحاول أن أبني علاقة مع سائقي السيارات. أحرّك شفتاي بكلامٍ غير مفهوم، فيجيب عليّ سائقٌ ما بكلامٍ لا أفهمه. أشتمُ آخر، فيردُّ بما أحسبه شتيمة، وهكذا. الآن، أحاول قدر استطاعتي أن أظلّ صامتًا، وأستنطق الطريق. الطريق إلى إربد طويلٌ، وتغلبه المنعرجات الأفقية منها والعموديّة. حاولتُ إشغال نفسي بعدّ دوريّات الشرطة المنتشرة على طولِ الطريق، وفي كلّ مرة – وبشيء من الخوف - كنت في داخلي أقول أنّ أحدها سيوقفنا. لا أتذكّر اللحظة التي غفوتُ فيها، كنت أنظرُ إلى البيوت الفارهة أعلى شارع الأردن، وكما في فيلمٍ قطع من منتصفه، لم أعد أذكرُ شيئًا.

***

-          أنا أحب أن أشاهد الناس. لكنّي أخشى اللحظة التي يلتفتون فيها صوبي. لا أحبّ نفسي حينها.

-          مراقبة الناس شيء سيء.

-          الدولة دائمًا ما تراقبنا.

-          ومن قال إن الدولة تحبّ نفسها؟

-          لا أعلم، لكن أن تصبح عيناك كاميرا ترقب حركات الآخرين، هذا شيءٌ ممتع. عليك أن تجرّبه.

-          أعتقد أنها كانت تعرف بمراقبتك لها طوال الطريق. لماذا لم تقل لها شيئًا؟

-          خِفت. كنت أنظر من النافذة، من ثمّ أطالع ساعتي وأقول: الآن. وحين أهم بالكلام، تنطبق شفتاي.  

***

          حين توقّفت الحافلة استيقظت. وكشخصٍ يعاني من انتفاخٍ في بطنه، انطلق صوتُ الباب. دخلت من الباب امرأة شاحبة نحيلة الوجه. وكما لو أنّ أحدًا أخبرني بذلك من قبل، عرفت أنها ستجلس بجانبي. لها مشية مميزة آلفها. مع كل خطوة كانت تتوقف للحظة، للحظة غير ملحوظة، يميل معها جذعها للأمام، لتعاود المسير من جديد. جلست دون أن تقول شيئًا. حين نظرتُ من النّافذة عرفتُ أنّنا وصلنا "ثغرة عصفور"، عندها بدأت السماء تمطر. كان مطرًا خفيفًا أشبه بوداعٍ متأخرٍ من شهر نيسان لفصل الشتاء.

***

-          طوال حياتي، حاولت أن أفهم كيف تفكّر النساء. بسذاجة من لا يعرف الإجابة، دائمًا ما تساءلت إن كنّ يفكرن مثلنا نحن الرجال.

-          ومن قال لك أن كلّ الرجال يفكرون مثل بعض؟

-          ألا تفكّر أنت مثلي؟

-          وكيف تفكر أنت؟

-          (صمتُّ مفكرًا) أحاول دائمًا أن أكون لطيفًا.

-          لم أسألك عن أسلوب تعاملِك. سألتك كيف تفكّر.

-          كان عليها أن تلاحظ. أربع سنواتٍ ونحن نلتقي، أعلم أنّ كل اللقاءات كانت ضمن سياقٍ ما، لكنّني كنت لطيفًا معها دائمًا.

-        هل تعتقد  أنّها علمت بشأن القائمة؟.

***

          الطريق من عمّان إلى إربد، غنيٌّ بصريًا، وأكثر ما يميّزه هو هذا التّباين الذي يظهر على شكل انتقال من دولةٍ إلى أخرى كلما سارت الحافلة نحو الشمال. ربّما حظيت مدينة مثل جرش أو إربد بشيء من جمالِ الطبيعة، لكنّ النظر إليها من بعيد، يوحي بأنّها مدنٌ تركت على حافة الحضارة، بأنّ الإنسان بناها ونسي وجودها. حين التفّ سائق الحافلة من على جسر النّعيمة، في طريقه صوب إربد، بدأتُ أشعرُ أكثر فأكثر بانقباض الصدر ذاته الذي شعرتُ به سابقًا. الشمسُ تربّعت السّماء، وباتت تنظر صوبَ الأرض بحزمٍ أكبر من ذي قبل. بضع سياراتٍ عبرت الطريقَ المعاكس، وقلّة من الناس ظهروا كالأشباح على جانبيّ الطريق.



          تدفقت الذكريات عليّ، كما لو أنّ عشرين سنة لم تمضي. حين تأكدت من نومِ المرأة بجانبي، نظرتُ إليها متفحصًا، وطوال تلك المدّة، كنت متأكدًا من أنني لن أصل إلى جوابٍ بشأن هويتها. لا شيء فيها يشبه مي سوى مشيتها المميزة، ورائحتها. كانت أمي تقول دائمًا "ريحة الواحد بتسبقه" وفي عقلي الآن، تتسابق رائحة مي، مع وجه المرأة المتدلّي على كتفي. 

***

-          كنتُ مفتونًا بالقوائم في صغري. مرّة كنتُ أحدث مي عن حبّي لفيلم "فيلم قصير حول الحب" لكيسلوفسكي. هي وجدته ساذجًا، لكنني قلت لها أنه جميلٌ لأنه مليء بالأشياء. الحب، كما الحياة يجب أن يكون مليئًا بالأشياء. وبدأت أعدّ على أصابعي: 1- المنظار 2- النافذة 3- فارق السن بين توميك وماغدا 4- قيامه بعملين مختلفين كل واحدٍ منهما يوفر له رؤيتها 5- محاولة إقناعها برجولته 6- (حككتُ رأسي محاولًا التذكّر) لقد نسيت، شاهدته منذ زمنٍ طويل. المهم، كنت أحبّ أن أسرد قائمة لكلّ شيءٍ أحبّه.

-          شاهدته منذ مدة قصيرة، أذكر أنّه أعجبني.

-          لا بدّ أن تشاهد ثلاثية الألوان له أيضًا.

-          دعنا من هذا. الحياة ليست فيلمًا، أو على الأقل مي لم تكن بطلة في فيلم.

-          لا أذكر كيف بدأ الأمر، أعتقد أنّني بدأت به بلا سابق تخطيط. رأيتُ أحدهم يخاطبها بودٍ زائد، فكتبت اسمه. لم أعتقد للحظة أنّني سأصبح مهووسًا بكتابة أسماء كل من يحادثها.

-          هل كتبت اسمي؟

-          (بجدية غير متوقعة، وبشكٍّ أيضًا) لن أقول لك.

-          أنت تستأهل ما جرى لك.

-         أتعلم، لا يحزنني أنها قطعت تواصلها معي، بقدر ما تحزنني فكرة أن تكون بسبب تلك القائمة. في يومٍ ما ضاعت القائمة مني. جننت، بحثت في كلّ مكان ولم أجدها. وبعدما يئست، أيقنت أنّها وصلت لها. في داخلي كنت مقتنعًا باستحالة هذا، فحتى لو قرأتها لن تفهم شيئًا؛ مجرد أسماء مرصوفة بعضها فوق بعض، لكن جزءًا آخر منّي كان يقول، أنها بدأت بالابتعاد تدريجيًا بعد ضياع القائمة.

***

          ظلّت المرأة بجانبي نائمة حتّى وصلنا مجمّع "عمّان الجديد". أصوات "كنتروليّة" الباصات ملأت الفضاء. هززتها من كتفها كي أيقظها. كانت تشخر بشكلٍ يشي بمدى تعبها. حين استيقظت أبدت أسفها لميل رأسها على كتفي. ابتسمتُ دون قولِ شيء. حاولتُ النظر في عينيها، لكنّها أبعدتهما حالما لاحظت ذلك. فكرت أن أنادي عليها: مي لكنّي لم أقوَ على ذلك. غادَرَت موقف باصات "حجازي" مسرعة ليلتهمها أوّل تاكسي ظهر في وجهها. ظللت واقفًا مكاني فترة قبل أن أسمع جرس الهاتف. كان هذا صديقي سليم، اتصل ليدلّني على مكان المقهى الذي سأخبره فيه عمّا حدث معي اليوم.

***

-          (بطريقة أبويّة) كان عليكَ أن تسألها، لن تتكلّف كثيرًا لو فعلت ذلك.

-          (بصوتٍ خافت) أظنّ ذلك، أظنّ ذلك. 






قريبٌ بعيد المنال - لوحة بهرام حاجو


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): من حوار مع أمبيرتو إيكو ترجمه أحمد شافعي 

الجمعة، 13 مارس 2015

قراءة الذات، أو الأنا ذاتا وموضوعا

Throes of Creation by Leonid Pasternak
           
            على مرّ التاريخ اتخذ الأدب لنفسه مواقع مختلفة من حياة الناس والمجتمع. ففي بعض الأحيان، تموضع في مواقع مرتفعة، يستشرف فيها المستقبل، وربما يتنبأ – استنادًا للخيال – بأشياء لم تكن موجودة من قبل. جول فيرن (1828 – 1905) مثلًا، تنبأ ببناء ناطحات السحاب ذات النوافذ الزجاجية، واختراع القطارات فائقة السرعة والآلات الحاسبة في رواياته (1). على جانبٍ آخر، قد يكون الأديب مرآة، تنعكس عليها النظرية، فلسفيّة كانت أم علمية، ويحولها بإعمال الخيال إلى حكاياتٍ شائقة. يعتقد ديكارت (1596 – 1650)، بأنّ "الأنا" (الذات) سابقٌ وجودها على وجود العالم، وعلى أيّ وجودٍ آخر (أنا أفكّر؛ إذن أنا موجود) (2)؛ لذا، فإنّ كل ما يقع خارجها هو "آخر" (موضوعٌ للذات). لا أعلم إن كان ديكارت قد فكّر بالتالي: هل يمكن أن تكونَ "الأنا" ذاتًا وموضوعًا في الوقتِ ذاته؟ بمعنًى أبسط، هل يمكن أن يتعامل الشخص مع ذاته كأنها ليست منه، كأنها شيء محايد؟.

            نجد أنّ هذا السّؤال، كان حاضرًا في ذهن عددٍ من الكتّاب، ومخرجي السينما. في هذا المقال، سنستعرض معكم أربع وجهات نظرٍ، تتمحور حول هذه الفكرة.

1-      خورخي لويس بورخيس.

            يشتغل بورخيس في قصصه على عددٍ من الثيمات، لا ينفكّ يدور حولها، مع اختلافِ المعالجة الفنّية كلّ مرّة. اشتغالاته عادة ما تتمحور حول الزمن، اللانهيائية، المتاهات، الأحلام، المرايا، النمور، والمكتبات. وفي قصّته "الآخر"، لم يبتعد عن موضوعاته الأثيرة سالفة الذكر. تفتتح القصّة بقوله "حدث ذلك في كامبرج، في شباط 1969. لم أقم بأية محاولة لتدوينه في ذلك الوقت، فقد كان هدفي آنذاك أن أتناساه، خشية على عقلي". الذي حدث، أنه أثناء جلوس بورخيس على أحد مقاعد جامعة كامبرج، وإذ به يرى "بورخيس الآخر" يجلس بجواره، بورخيس ذو الخمسة عشر عامًا. إثر صدمة البداية، والخوف الطبيعي الذي صاحبها، يتحرّر كلاهما من محاولة التبرير، ليبدآ التعرّف على بعضهما. يحدث بورخيس الكبير الآخر عن الكتب التي سيقرأها، عن موت أبيه، وزواج أخته. عن القصائد والقصص الفنتازية التي سيكتبها. لكنّنا لا نرى كبير اهتمامٍ من بورخيس الآخر، وكأنّه بحدسٍ ما، كان يعرف أنّ كل ذلك سيحصل له، أو ربّما هو مجرّد اطمئنان لنسخته الكبيرة. قد تكون القصّة بأكملها، مجرد محاولة للإجابة على سؤال "كيف أصبحت ما أنا عليه؟" أو "كيف كنت قبل أن أصبح ما أنا عليه؟". يختتم بورخيس (الكبير) القصّة بالقول "لقد حلم بي الآخر، ولكنّه لم يحلم بي تمامًا". في الواقع، هل يهمّ من حلم بالآخر، فهما ما هما عليه "متشابهين جدًا، ومختلفين جدًا".

Jorge Luis Borges Vs Jorge Luis Borges

2-      أورهان باموق.

            تجدر الإشارة بداية، أن أورهان باموق متأثرٌ جدًا بكتابات بورخيس، لكنّ جعبته مليئة بالألعاب، فحين يكتب عن فكرة مطروقة، يحوّلها بشكلٍ غريزيّ إلى شيء أصيل، خاصٍ به وحده. في الفصل الافتتاحي لروايته / مذكراته "اسطنبول الذكريات والمدينة"، المعنون بـ "أورهان آخر"، يختار أورهان الحديث عن شكوكه من وجودِ نسخة له، في أحد بيوت اسطنبول "ساورتني، منذ نعومة أظافري، شكوك في أن دنياي بها أكثر مما أرى: في مكانٍ ما في شوارع اسطنبول، في منزلٍ يشبه منزلنا، أورهان آخر يشبهني لدرجة يمكن أن يقال معها إنه توأمي، أو حتى قريني." على مدار الكتاب، يقرن الكاتب نفسه مع المدينة "إنّ قدر اسطنبول قدري". فحين يقول بأنّه يبحث عن أورهان آخر، لربّما هي محاولة للقول بأنّه يبحث عن مدينته الخرِبة، المنهارة إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية "كانت اسطنبول دائمًا، بالنسبة لي، مدينة الخراب وسوداوية نهاية الإمبراطورية. وقد قضيت حياتي أحارب هذه السوداوية أو أجعلها (مثل أهل اسطنبول جميعًا) سوداويتي." لعلّ – في العالم الآخر – أورهان يكون سعيدًا، وسط مدينته التي اكتست بالألوان من جديد، بعد أن كان لا يراها إلا بالأبيض والأسود.

Orhan Pamuk


3-      باتريك زوسكند.

            باتريك زوسكند، هو أقلّ هؤلاء الثلاثة طرقًا للفكرة. بل حتّى أنّه حين طرحها، كان الطرح يصبّ في سياق بعيدٍ كلّ البعد عمّا نحن في صدده (قراءة الذات، أو الأنا ذاتٌ وموضوع). في كتابٍ له، نشر لأول مرة عام 1995 بعنوان (ثلاث حكايات وملاحظة تأملية)، ملاحظة أدبية بعنوان "فقدان الذاكرة الأدبية". يحكي فيها بتحسّرٍ عن اضمحلال ذاكرته الأدبية مع تيّار الزمن. إذ لم يعد يستطيع استحضار ما قرأه متى أراد، وحتّى لو عاد للكتب نفسها، فإنه ينساها بمجرد أن يغيب عنها. يطرح زوسكند أسئلة كثيرة، كأنما يلقيها في الفراغ "هل قرأت ثلاثين عامًا عبثًا؟" "ألا يوجد كتابٌ في العالم أستطيع تذكّره؟". لكن، ألا يمكن أن نعتبر أنّ هذه الأسئلة، لا يلقيها سوى على نفسه، ليس بحالته الحالية (الآن)، بل على الآخر، زوسكند الصغير الذي قرأ كل هذه الكتب؟ هو يسائله، بشكلٍ ما "لماذا لم تخطر ببالك هذه اللحظة؟ لماذا لم تتحصّن ضدها". يعزّز هذه الرّؤية، نصيحته للقرّاء عامّة في نهاية الملاحظة "عليك ألا تستسلم لفقدان الذاكرة المهول هذا، أقول، عليكَ أن تصمدَ بكلّ قوّة في وجه سيل نهر النسيان، عليك ألا تغرق كليًا في نصٍّ ما، بل عليك أن ترتفع فوقه بوعيٍ واضح...". زوسكند الحالي هو ذاته زوسكند قبل ثلاثين سنة، لكن ما بينهما، هوّة بحجم ما نسيه من الكتب.



Patrick Suskind


4-      مايك كاهيل.

            مايك كاهيل هو مخرج أمريكيّ شاب (1979)، أخرج ثلاثة أفلام حتى اللحظة، وثائقيًا واحدًا وروائيين. في فيلمه الروائي الأول (Another Earth)، ناقش فكرة علميّة بسيطة، ماذا لو اكتُشف عالمٌ شبيهٌ بعالمنا حدّ التطابق، إذ نعيش فيه نحن أنفسنا، لكن دون أن نشعر بذلك. لا يبدو أن الفيلم مهتمٌ بأن يناقش نظريّات علميّة كما في فيلم (Coherence) الذي تطرّق لنفس الفكرة تقريبًا وحاول شرحها طبقًا لنظرية (قطّة شرودنغر)، بقدرِ ما هو مهتمٌ بمناقشة تبعاتها على الإنسان / البطلة تحديدًا (رودا ويليامز؛ قامت بأداء الدور بريت مارلينغ). رودا طالبة صغيرة السن، لحظة الإعلان عن اكتشاف الكوكب الجديد (الأرض الأخرى / الثانية) تدخل السجن لحادثٍ جرى معها. تخرج بلا مستقبل، فتحاول الانضمام إلى حملة لزيارة الأرض الجديدة "كمنبوذة، لا يحق لي أشياء كثيرة. ربما، ما عدا هذا الشيء (تقصد زيارة الأرض الثانية). ربما أنا الأفضل لذلك." هكذا تخاطب وكالة الفضاء في طلبها الانضمام للرحلة. لعلّ ما يميّز الفكرة التي أرادها المخرج (وهو كاتب السيناريو)، ليس مجرّد الالتقاء بذواتنا في مكانٍ آخر، ولا ما نفكّر فيه تجاهها، بل ما تفكّر فيه هي تجاهنا. يسأل أحدهم رودا في الفيلم عمّا تودّ قوله لنفسها لو قابلتها، فتجيب: "حظًا أوفر في المرّة القادمة" "حقًا؟" "لا، لا. أعني، متأكّدة أنّني سأظلّ صامتة".

Brit Marling & Mike Cahill, in cast of Another Earth


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:


للاطلاع:

2-      فيلم Coherence.
8-      جول فيرن.