الجمعة، 13 يوليو 2018

كارل أوڤه كناوسغارد: العيش في عالم الكلمات




* مقطع مُترجم من الجزء الثاني من رواية كفاحي للنّرويجي كارل أوڤه كناوسغارد. المقطع من صفحة 34 حتّى صفحة 41. 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان إيريك يتمايل مع الموسيقى، التفت، غمز لي ثمّ ذهب إلى المطبخ. في تلك اللحظة رنّ جرس الباب. لقد كان لينَس وابنه أخيل. ثبّتَ لينَس كيسَ تبغٍ أسفل شفته العليا، وكان مُرتديًا بنطالًا أسودَ، ومعطفًا داكنًا وأسفله قميصًا أبيضَ. كان شعرُه الأشقر مُشعثًا بعض الشيء، وعيناه اللتان تُحدّقان في الشقّة صادقتان وساذجتان.

"مرحبا" قال. "كيف حالك؟"

"بخير" قلتُ. "وأنت؟"

"آه، في تقدّم".

أخيل، الذي كان صغيرًا بعيونٍ داكنة وكبيرة، أخذ يخلع سترته وحذاءه بينما يتطلّع إلى الأطفال خلفي. الأطفال كالكلاب، دائمًا ما يجدون ضالّتهم وسط الحشود. بادلته ڤانيا النظرات. لقد كان المُفضّل عندها، لقد كان من اختارته ليلعب دور الإسكندر. لكن بعدما خلع ملابسه الخارجيّة توجّه مباشرة صوب الأطفال الآخرين، ولم يكن باستطاعة ڤانيا فعلَ شيءٍ لإيقافه. تسلّل لينَس إلى المطبخ، ولعلّ الوميض الذي خِلتُ أنّني التقطته في عينيه لم يكن سوى تطلُّعًا للدردشة.

نهضتُ ونظرتُ إلى هايدي. كانت تجلسُ بجانب نبتة الزنبق أسفل النافذة، تأخذ الترابَ من الأصيص لتصنع أكوامًا صغيرةً منه على الأرض. توجّهتُ صوبها، حملتُها، كاشطًا ما استطعتُ بيديّ، ثمّ ذهبتُ إلى المطبخ باحثًا عن خِرقة. لحقتني ڤانيا. وحالما وصلنا، قفزت إلى حضن ليندا. في غرفة المعيشة بدأت هايدي بالبكاء. رمتني ليندا بنظرةٍ مُحيّرة.

"أنا سأتفقّدها" قلتُ. "فقط أحتاجُ شيئًا لأمسحَ به".

تجمهر النّاس حول منضدة ]صنع الطعام[، بدا الأمر كأنّ وجبة قيد التحضير، وبدلًا من حشر نفسي بينهم، ذهبتُ إلى الحمّام، قطعتُ لفّةً كبيرة من ورق الحمّام، رطّبتها أسفل الصنبور وعدتُ قاصدًا غرفة المعيشة ]لأكمل[ التنظيف. رفعتُ هايدي، التي لم تزل تبكي، وحملتها إلى الحمّام لأغسل يديها. لقد تلوّت وتشنّجت بين قبضتيّ.

"هوّني عليكِ، حبيبتي" قلتُ. "سننتهي سريعًا. تحمّلي قليلًا، الآن، أوك. ها قد انتهينا". هدأ البكاء حالما خرجنا، لكنّها لم تكن مسرورة تمامًا، كما لم تشأ أن أنزلها أرضًا، أرادت فقط أن تظلّ بين ذراعيّ. وقف روبن في غرفة المعيشة مصالبًا ذراعيه متتبّعًا حركات ابنته تيريزا، التي كانت تكبر هايدي ببضعة شهور، إلّا أنّها كانت تستطيع التلفّظ ببضع جمل.

"مرحبا" قال. "تكتب شيئًا هذه الأيّام، أليس كذلك؟"

"بلى، قليلًا" قلتُ.

"هل تكتبُ في المنزل؟"

"أجل، لديّ غرفة تخصّني."

"أليس ذلك صعبًا؟ أعني، ألا يعنُّ لكَ أبدًا أن تشاهد التلفاز أو أن تغسل بعض الملابس أو أيّ شيء، عوضًا عن الكتابة؟"

"لا بأس بذلك. لا أملك وقتًا كثيرًا كما لو أنّني أمتلك مكتبًا، لكن..."

"أجل، بالطبع" قال.

لديه شعرٌ أشقر طويلٌ قليلًا ومجعّدٌ عند مؤخرة عنقه، عيناه زرقاوان تمامًا، أنفٌ مسطّح، وفكّان عريضان. لم يكن قويًّا، ولا ضعيفًا كذلك. كان يلبس كما لو أنّه في منتصف سنواته العشرين، رغم كونه في أواخر الثلاثين. ليس لديّ فكرةٌ عمّا يدور في خلده، ولا أدنى فكرة عمّا يفكّر به، وحتّى اللحظة لم يكن هنالك شيءٌ خفيٌّ فيه. بل على العكس، أعطى وجهه وهالته انطباعًا بالمقروئيّة. رغم ذلك، ثمّة شيءٌ آخر، حدستُ ظلَّ شيءٍ آخر. كانت وظيفته مُعايشة اللاجئين مع المجتمع، كما أخبرني مرّة، وبعد بضع أسئلة متتابعة عن عدد اللاجئين المقبولين في البلد وخلافه، تركتُ المسألة لأنّ الآراء و]شكل[ التعاطف الذي أملكه كانا بعيدين جدًا عن المعايير التي افترضتُ أنّه يمثّلها والتي ستبرزُ عاجلًا أم آجلًا، وعندئذ سأبدو بمظهر الشرّير أو الغبي، ما لم يُعطِني سببًا ]لإكمال الحوار[.

ڤانيا، التي كانت تجلس على الأرض بعيدًا بعض الشيء عن بقيّة الأطفال، نظرت صوبنا. أنزلتُ هايدي أرضًا، ثمّ بدا كأنّ ڤانيا انتظرت هذا: انتهضت مرّة واحدة ثمّ اقتربت، أمسكت بيد هايدي وأخذتها إلى رفّ الألعاب، وأعطتها هناك حلزونًا خشبيًا بقرون استشعار تصدر طنينًا حين تسحبه على الأرضيّة.

"هايدي، انظري" قالت، ثمّ أنزلته من يدها واضعةً إيّاه على الأرض. "تسحبين الخيط هكذا. فتصدر طنينًا. أترين؟".
شدّت هايدي الخيط ودفعت. فانقلب الحلزون على رأسه.
"لا، ليس كذلك" قالت ڤانيا. "سأريكِ".
عدّلت من وضع الحلزون وسحبته أمتارًا قليلة.

"لديّ أختٌ صغيرة!" قالت بصوتٍ عالٍ. اتّجه روبن صوب النافذة. إذ وقف مُحدّقًا في الباحة الخلفيّة. ستيلّا، التي كانت نشيطة وحيوية أكثر من المفترض بحكم أنّها حفلتُها، هتفت بحماس شيئًا لم أتبيّنه، مؤشّرة صوب واحدة من البنتين الصغيرتين، اللتين سلّمتاها الدّمية التي كانتا تمسكانها، أخرجت عربة أطفالٍ صغيرة، وضعت الدّمية فيها وأخذت تجرّها أسفل الرّواق. وجد أخيل طريقه إلى بنجامين، وهو طفلٌ يكبر ڤانيا بثمانية عشر شهرًا وغالبًا ما ينغمس بمعقٍ في أمرٍ ما، برسمة أو كومة ليغو أو سفينة قراصنة بقراصنة بلاستيكيّة. كان مُبدعًا، مستقلًا ومهذّبًا، وها هو يجلس مع أخيل الآن، مكملين بناء سكّة الحديد التي بدأناها أنا وڤانيا. الطفلتان الصُّغريان ركضا خلف ستيلّا. هايدي كانت تتذمّر. أغلبُ الظنّ أنّها جائعة. ذهبتُ إلى المطبخ وجلستُ بجانب ليندا.

"هلّا ذهبتِ وراقبتهما قليلًا؟" سألتُ. "أظنّ أنّ هايدي جائعة". أومأت، ربّتت على كتفي ونهضت. أخذتُ بضع لحظاتٍ لأتبيّن موضوع الحوارين الدائرين حول الطاولة. الأوّل كان عن تشارك السّيّارات، الثّاني كان عن السّيّارات، ولقد استنتجت أنّ الحوارين قد انتهيا في اتجاهين معاكسين. الظلام خارج النوافذ كان حالكًا، النّور في المطبخ كان مقتصدًا، التجاعيد في الوجوه السّويدية حول الطاولة كانت قابعة في الظلّ، وأخذت العيون تلمع في وهج الشّموع. إريك وفريدا وامرأة لا أتذكّر اسمها كانوا واقفين إلى منضدة الطعام مديرين ظهورهم لنا، يعدّون الطّعام. الحنان الذي شعرتُ به تجاه ڤانيا ملأني حدّ البكاء، لكن لم يكن هناك شيءٌ بإمكاني القيام به. ألقيتُ نظرةً على من يتحدّث، مُقدّمًا ابتسامةً باهتة كلّما لاحت طرفة راشفًا من كأس النبيذ الأحمر الذي وُضِع أمامي.

أمامي مباشرة كان الشخص الوحيد المُتميّز ]عن البقيّة[. وجهه كبير، ثمّة نُدَبٌ على خدّيه، ملامحه خشنة، وعيناه حادّتان. يداه ]الموضوعتان[ على الطاولة كبيرتان. كان يرتدي قميصًا من طراز سنوات الخمسين وجينزًا أزرقَ مكفوفًا حتّى ربلة الساق. شعره كان يمثّل سنوات الخمسين تمامًا، وقد كان يتسلّى بما على منضدة الطعام. لكن ليس ذلك ما جعل منه مختلفًا؛ لقد كانت شخصيته، بإمكانك أن تشعر بجلوسه هناك، رغم كونه لم ينطق كثيرًا.

مرّة كنتُ في حفلٍ في ستوكهولم حيث تواجد فيها ملاكمٌ. كان يجلسُ في المطبخ، حضوره الجسديّ ملموسٌ، وقد ملأني بإحساسٍ مميّز لكن غير مريحٍ بالنقص. شعورٌ بأنّني كنتُ أقلّ منه. والغريب، أنّ تلك الليلة أصرّت أن تثبت كلامي. صاحبة الحفل كانت صديقة ليندا، كورا، بيتها كان صغيرًا، لذا وقف الجميع للدردشة في كلّ مكان. كانت الموسقى تصلنا صاخبة من غرفة المعيشة. في الخارج، كانت الشوارع بيضاء من الثلج. كانت ليندا حُبلى بشدّة، ولعلّها الحفلة الأخيرة التي كان بمقدورنا الذهاب إليها قبل أن يُولد الطفل ويُغيّر كلّ شيء، لذا رغم كونها متعبة، أرادت أن تجرّب وتبقى هناك لمدّة. كان لديّ قليلٌ من النبيذ بينما أدردشُ مع توماس، الذي كان مُصوّرًا وصديقًا لغير؛ كان يعرفُ كورا من خلال شريكته، ماري، وقد كانت شاعرةً إضافة إلى كونها أحد مرشدي كورا في ثانويّة بِسكوبس-آرنو الشعبيّة Biskops-Arnö Folk High School. كانت ليندا تجلس على كرسيّ سُحب من وراء الطاولة بسبب بطنها، كانت ضحوكةً وسعيدة، ولعلّي كنتُ الشخص الوحيد المُدرك للانطواء الطفيف والحماسة الباهتة التي سيطرت عليها خلال الأشهر القليلة الماضية. نهضت بعد قليلٍ وانتقلت ]إلى مكانٍ آخر[، ابتسمتُ لها وأعدتُ انتباهي إلى توماس، الذي كان يقول شيئًا عن جينات ذواتِ الشعر الأحمر، المتواجدات بكثرة ذلك المساء.

ثمّة أحدٌ يطرُق.

"كورا" ]هكذا[ سمعت. "كورا!"

هل كانت ليندا؟

نهضتُ وتحرّكتُ صوب الرواق.

كان الطرقُ قادمًا من داخل الحمّام.

"أهي أنتِ، ليندا؟" سألت.

"نعم،" قالت. "أعتقد أنّ قفل الحمّام قد علق. هل تستطيع أن تجلب كورا؟ لا بد من وجود طريقة ]لفتحه[."

ذهبتُ إلى غرفة المعيشة ونقرتُ كتف كورا. كانت تحمل طبقًا من الطعام في يدٍ وكأسًا من النبيذ الأحمر في الأخرى.

"ليندا محبوسةٌ في الحمّام" قلتُ.

"أوه لا!" قالت، ثمّ أنزلت الكأس والطبق وخرجت.

تجاذبتا الحديث بُرهةً عبر الباب الموصد. حاولت ليندا اتّباع التعليمات التي أُعطيت، لكنّ شيئًا لم ينفع، كان وما زال الباب عالقًا. كان جميع من في الشّقّة مُدركًا لطبيعة الموقف، وقد صار المزاج خليطًا من المُتعة والحماسة، أخذ قطيع كامل من البشر الواقفين في الرواق الإدلاء بنصائحهم لليندا وكورا، وبذهولٍ وقلق، ظللتُ أذكّر أنّ ليندا حبلى بشدّة، وأنّ علينا فعل شيءٍ بسرعة. توصّلنا أخيرًا إلى الاتصال بحدّادٍ مختصٍّ بالأقفال. وبينما نحن في انتظاره وقفتُ بجانب الباب مُحدّثًا ليندا ]العالقة[ في الداخل، منزعجًا من وعيي لحقيقة أنّ باستطاعة الجميع أن يسمع ما أقول و]يدرك[ قلّة حيلتي. ألا أستطيع أن أركل الباب وأخرجها؟ ببساطة وفاعلية؟

لم أركل بابًا من قبل قط. لم أكن أعرف مدى صلابته. تخيّل لو أنّه لم يتزحزح. كم سيبدو ذلك غبيًا؟

وصل الحدّاد بعد نصف ساعة. بسط حقيبة أدوات من القماش على الأرض وبدأ يعبث بالقفل. كان صغيرَ الحجم، يرتدي نظّارات ولديه بدايات صلعٍ، لم يقل شيئًا للدائرة المتجمهرة حوله، جرّب أداة تلو الأخرى بلا فائدة، لم يتزحزح القفل اللعين. في النهاية، أعلن استسلامه، مُخبرًا كورا إنّ الأمر بلا فائدة، لم يستطع فتح الباب. 

"ماذا علينا أن نفعل إذن؟" سَأَلَتْ كورا. "ستُنجب قريبًا!".

هزّ كتفيه. "عليكم أن تركلوه" قال، ثمّ بدأ يلُمّ أدواته.

من كان سيركله؟

يجب أن يكون أنا. فأنا زوج ليندا. إنّها مسؤوليّتي.

كان قلبي يخبط بشدّة.

هل عليّ فعلها؟ أن آخذ خطوة للوراء أمام مرأى الجميع وأركله بكلّ ما أوتيت من قوّة؟ ماذا لو لم ينفتح الباب؟ ماذا لو انفتح وضرب ليندا؟

سيكون عليها أن تحتمي في الزاوية.

بهدوء، أخذت شهيقًا وزفيرًا بضع مرّات. لكن دون فائدة، ما زلتُ أرتجف من الداخل. جلبُ انتباهٍ مثل هذا شكّل لعنة بالنسبة لي. وكان ليصير الوضع أسوأ مع مخاطرة بالفشل.

نظرت كورا في الأرجاء.

"علينا أن نركل الباب" قالت. "من يستطيع فعلها؟"

اختفى الحدّاد ]منسّلًا[ عبر الباب. إذا كان سيقع الاختيار عليّ، فقد حان الوقت لأتقدّم.

لكنّي لم أستطع إجبار نفسي على فعلها.

"ميكي" قالت كورا. "إنّه ملاكم."

استدارت لتجلبه من غرفة المعيشة.

"بإمكاني سؤاله" قلتُ. والحال كذلك لن أخفي عارًا على أيّ حال، سأقول له مباشرة أنّني، بوصفي زوج ليندا، لم أجرؤ على ركل الباب، وأنّني أسأله، بوصفه ملاكمًا وعملاقًا، أن يفعلها بدلًا عنّي.

كان يقف بجانب النافذة بيده ]كأس[ بيرة ويدردش مع فتاتين.

"مرحبًا، ميكي" قلتُ.

نظر تجاهي.

"ما زالت عالقة في الحمّام. لم يستطع الحدّاد فتح الباب. بإمكانك ركله، ألا تعتقد؟"

"بالطبع" قال، حدّق بي لحظة ثمّ أنزل البيرة واتجّه صوب الرواق. تبعته. ابتعد الناس جانبًا بينما يشقّ طريقه صوب الباب.

"ألا زلتِ في الداخل؟" سأل.

"بلى" قالت ليندا.

"قفي في أبعد نقطة تستطيعينها عن الباب. فأنا بصدد ركله"

"بالطبع" قالت ليندا.

انتظر للحظة. ثمّ رفع قدمه وركل الباب بقوّة أسقط معها القفل داخل الحمّام. تناثرت شظاياه.

حين خرجت ليندا، صفّق بعض الناس.

"أيّتها المسكينة" قالت كورا. "أنا آسفة. تعريضك لأمر كهذا. ثمّ..."

استدار ميكي وذهب.

"كيف حالُكِ؟" سألت.

"بخير" قالت ليندا. "لكنّني أعتقد أنّ علينا العودة إلى المنزل بأسرع وقت."

"بالطبع" قلت.

أُخفضت الموسيقى في غرفة المعيشة لأن امرأتين في أوائل الثلاثين كانتا على وشك قراءة قصائدهما المُتدفّقة. أعطيت ليندا معطفها، لبستُ خاصّتي، ودّعتُ كورا وتوماس، ذبل ]الإحساس[ بالعار في داخلي، لكن بقيت المهمّة الأخيرة، كان عليّ أن أشكر ميكي لما فعل. شققتُ طريقي وسط جمهور الشّعر وتوقّفتُ عند النافذة أمامه.

"شكرًا جزيلًا" قلتُ. "لقد أنقذتها".

نفخ خدّيه وهزّ كتفيه. "إنّها مسألة بسيطة".

في التاكسي في طريق العودة لم أكد أنظر صوب ليندا. لم أكن على قدر المسؤوليّة. كنتُ جبانًا حدّ تركي المهمّة لشخصٍ آخر، وقد كان كلّ ذلك واضحًا في عينيّ. لقد كنتُ ضعيفًا بائسًا.

سألتني حين كنّا في السّرير عن خطبي. قلتُ لها إنّني شعرتُ بالخجل لأنّني لم أخلع الباب. نظرت لي باندهاش. لم تخطر الفكرة لها حتّى. لماذا كان عليّ أن أفعلها؟ فهذه ليست طبيعتي، أم أنّها كذلك؟

أشاع الرّجل الجالس في الجهة المقابلة من الطاولة المشاعر ذاتها التي أشاعها الملاكم في ستوكهولم. ليس للأمر علاقة بحجم جسده أو كتلته العضليّة، وعلى الرغم من أنّ العديد من الرجال هنا كانت أجسادهم من الأعلى قويّة ومدرّبة تدريبًا جيّدًا فما زال تأثيرهم قليل الشأن، كان حضورهم عابرًا وضئيلًا مثل فكرة عارضة. لا، ثمّة شيءٌ آخر، وكلّما واجهتُ ذلك الشيء ازداد الأمر سوءًا، إذ أرى نفسي بوصفي ذلك الضعيف مسلوب الإرادة الذي كنتُ عليه، الذي عاش حياته في عالم الكلمات.