الاثنين، 4 مارس 2024

ليلة الضوء السرية: قلب مكسور بأثر رجعي

* كُتب هذا المقال ضمن ورشة "كتابة النقد الفني" التي أقامتها دارة الفنون عام 2022، تحت إشراف الكاتب يزن الأشقر. الكثير من الأفكار طُوّرت في جلسات مُطوّلة معه، وكذا الحال مع بنية المقال؛ لذا أدين له بشكر كبير.



                                                                      (Regulus - J. M. W. Turner)



«كان اللاهوتيون في القرون الوسطى يرون أن الفتور الروحي السبب الجذري للتعاسة. وصفه فلوبير، ولم يكن غريبًا عنه، قائلًا: «قليلون قد يدركون مدى التعاسة التي وصل إليها من أخذ على عاتقه بعث قرطاج»» - فالتر بنيامين - عن مفهوم التّاريخ1.

«[الضوء] الباهر هو الليل في وضح النهار ، هو الظلام الذي يبسط سيطرته في صميم الفائض من أشعّة الضوء. العقل المُبهَر يفتح عينيه على الشمس ولا يرى شيئًا، أي إنّه، يعدم الرؤية؛ في حالة الإبهار، فإن انحسار الأشياء نحو أعماق الليل يتلازم مباشرة بقمع للرؤية نفسها؛ في اللحظة التي يرى فيها [العقلُ المُبهَر] الأشياء تختفي في ليلة الضوء السرّيّة، يُطالعُ البصر نفسه في اللحظة التي يختفي فيها» - Madness and Civilization - ميشيل فوكو2.

***

في الثاني من تشرين الثّاني 2014، عنون موقعٌ إخباريّ أحد أخباره بـ"انتحار الفنانة السورية نجلاء الوزة حزنًا على دمشق". إذا لم تمرّا على الخبر سريعًا، بإمكانكما أن تقرآ في ثناياه التّالي: "ولم ترد تفاصيل أخرى حول حياة الفنانة وموتها وظروف حياتها سوى أنها تعرضت لمحاولة انتحار سابقة نجت منها. ويقول مقربون أنها كانت تقف مع الثورة السورية، ويوضح ذلك بشكل جلي عبر أعمالها التشكيلية التي تتضامن مع الثورة وأنها انتحرت حزناً على دمشق".


ظلّتُ نجلاء حاضرة في ذهني منذ ذلك التّاريخ، لا تمرّ فترة إلّا وأحاول تتبّع آثارها، أو "أعمالها" كما ينصّ الخبر. لن تتمكّنا من إيجاد الكثير؛ فالإنترنت، ورغم ما يعطي المرء من إحساس بمعرفة شموليّة، مجرّد سحابة يُغذّيها حجمُ اتّصالنا به؛ غيبا عنه فترةً من الزّمن وسوف يبدأ شخصٌ في الطّرف الآخر من العالم بالشّك بوجودكما! 


وصلتُ ببحثٍ سريعٍ إلى فيلم محمّد ملص "سلّم إلى دمشق" الذي لعبت فيه نجلاء دورًا مهمًّا، وصورة تكسرُ القلبَ بأثرٍ رجعيّ لعمل فنّي يصعب وصفه، قد نسمّيه تركيبًا تجاوزًا، عنونتها بـ"عروس سوريّة"، عثرتُ عليها في إحدى صفحات الفيسبوك. 


بلا رابط منطقيٍّ، أو بوجوده ربّما، استدعت ذاكرتي، في اللحظة التي طالعتُ فيها لوحة تيرنر "ريغولوس" أوّل مرّة، نجلاء، بوجهها البلاستيكي الذي يبرزُ من العمل كما لو أنّه وجه مانيكان معروض خلف زجاج "نوفوتيه" في وسط البلد، والبذلة المعلّقة مرّتين: بعلّاقة معدنيّة؛ وبخيط يمتدّ عموديًّا إلى خارج الكادر، تاركًا إيّاي حائرًا في سخافة الحقيقة، أو ربّما في بلاهة الاستعارة حين تكثِّفُ الموتَ بصورة ملابس غادرتها صاحبتها في الصّورة تمامًا كما في الواقع.

***

في تاريخ الفنّ، يُقدَّم لتيرنر بوصفه الخطوة التي سبقت "الانطباعيّة"، بركونه الشّديد إلى الضّوء، إلى تصوير البحر والسُّفُن، والشّمس التي تنيرُ مشاهد طبيعيّة حدّ "العمى" كما في لوحة "ريغولوس"3. حين تعترضني لفظة "انطباع/انطباعي" تتحفّز حواسّي، وأستشعر اقتراب تصريحٍ سيجبرني على الدّفاع، لكن عمّاذا؟ عن شيء ما، لعلّ جذوره تعود إلى وصم النّقد العربي القديم بالانطباعيّة في مقابل النّقد الغربي المنهجي والمطبوع بعقلانيّة لا تشوّشها الحواسّ والآراء، ذلك الوصم/الفصل الذي تبنّته الصُّحف حديثًا: هناك صفحة لمقالات الرّأي وأُخرى للنقد الجادّ!

رسم تيرنر لوحته هذه أوّل مرّة عام 1828م، ثمّ أعاد العمل عليها لينهيها عام 1837، وبين هذا وذاك، ارتبط المشهد المرسوم بلوحة الفرنسي كلود لوران "Seaport with the Villa Medici" التي رسمها عام 41637. 

(Seaport with the Villa Medici - Claude Lorrain)


بمقارنة سريعة، يمكن ملاحظة الفارق الذي تجترحه شمس تيرنر الباهرة مقارنة بشمسِ لوران المُخلِصة للحقيقة. شمسُ تيرنر غائبة، غير مرئيّة بوصفها قُرصًا أو دائرةً، أشعّتها أقرب للبياض منها إلى الصّفار، وتقسم التّكوين إلى نصفين، إن لم يكن بالقياسات، فبما تطبعه في النفس من إحساسٍ طاغٍ بفراغٍ يُجلّل المنتصف. ببساطة، شمسُ تيرنر غريبة، غرابتها تنبع من كونها تشبه الشّمس التي نعرفها بالقدر ذاته الذي تُفارقها فيه، إذ كما الأثر الذي يدلُّ على البعير، شمس تيرنر غائبة، لكنّنا ندركها من الأثر الذي تُخلّفه: أشعّتها؛ شمس ساكنة مثل شبح مارك فيشر، لائقة أكثر للتّعبير عن "حداد فاشل"، لكنّها ترفض الغياب، أو التخلّي عنّا، إذ "يتعلق الأمر برفض التخلي عن الشبح أو -وقد يرقى هذا أحيانًا إلى الشيء نفسه- رفض الشبح التخلي عنا"5.

 ذلك الفارقُ البسيط في التّصوير، ذلك الحداد، هو تمامًا ما أودّ "الدّفاعَ" عنه ضدّ "عقلانيّة" لوران التي تقيسُ الأشياء بالمسطرة: ضدّ الحزن على دمشق، وضدّ أيّ مَنْطَقَةٍ لما يصعبُ منطَقَتُهُ. 

***

إحدى تفاسير اللوحة الكثيرة، التي ادّعى بعضُها أنّ تيرنر هو أحد عناصرها المُصغّرة (الرّجل المُعمّم الذي يرتدي شَمْلَةً أسفل يمين اللوحة، على سبيل المثال)، والتي اختلف كثيرٌ منها في الموقع الذي تُصوّره (أهي في قرطاجة أم في روما؟)، تقول إنّ تيرنر رسمها من منظور القائد الرّوماني ريغولوس، بعد أن قطع القرطاجيّون جفنيه، ونحن لا ننظرُ إلّا إلى ما يراه بعينيه اللتين يتعذّر عليه إغلاقهما من جديد6. الشّمسُ في حالة ريغولوس مصدرٌ لضوءٍ لا ينقطع، ضوء حادّ، ضوء يجرح ونهايته واحدة: العمى، في مفارقة عنيفة يشترك فيها مصدرٌ واحدٌ بالضوء والظّلمة، بإيضاح الرّؤية وغيابها من ثمّ. وقد يُفسّر هذا اقتراب لون الشّمس من البياض: جرّبا النّظر إلى شمس الظّهيرة خمس ثوانٍ متّصلة ثمّ أغلقا عينيكما، ماذا تريان؟

ابتعدتُ عن اللّوحة قليلًا، وظلّت نظرة نجلاء تلاحقني (كأنّها شمسُ تيرنر؟)، أو لعلّها ليست نظرتها، بل ما تُحيلُ إليه من الفراغ، الوحشة التي تنتهي بالموت. ريغولوس يموت (ولو مجازًا) وهو ينظرُ إلى الشّمس، ونجلاء تنتحر. أحاول العثور على رابطٍ ما، ولو بالإقواء، متشبّثًا بحدسٍ لا رادّ له بأنّني أقتربُ من خيطٍ ما، ولا أجد سوى خيوط الشّمس تربّت على كتفي بحنانٍ أقرب للشّفقة، مُطلقَةً كلمة "آسف" أسمعها مترجمة، فيحلّ النّفور. 

أحاولُ الالتفاف على اللوحة هذه المرّة، فأجد نفسي أتابع فيلمَ مايك لي "مستر تيرنر" (2014)، علّي أعثرُ على مدخلٍ ما. لا أعثرُ على ريغولوس، بل أعثُر على مايك لي، الذي يقول في مقابلة أجراها للحديث عن الفيلم "هذا فيلم من ساعتين ونصف، بإمكانك أن تصنع فيلمًا من 12 ساعة أو من 25 ساعة عن تيرنر، [...]، بعض الأشياء تفسح المجال لتمثيلها دراميًّا أكثر من غيرها، [...]، وفي النهاية، ما همَّني حين كنت أصنع الفيلم هو الوصول إلى جوهر التجربة، جوهر ما يدور حوله [عمل] الرجل، جوهر حياته"7.

إذا جاز اختزالُ الفيلم، فيُمكن القول إنّه بورتريه نمطي عن انزلاق الفنّان إلى الجنون مُلاحِقًا سرابَ الإرث. جميل؟ رُبّما. مُكرّر؟ بالطّبع. زورا أيّ مؤسّسة فنّيّة، وستعثران على +10 فنّانين يعتقدون بأنفسهم الجنون، فالجنون حين يصير هويّة تُكسِبُه الأُلفةُ شرعيّةً وسلطةً يُحبّهما ويتواطأ عليهما الكثير. يبصقُ تيرنر في الفيلم على لوحاته ليَسْهُل عليه إعادة تشكيل الألوان، يُخرّب لوحات مجايليه ليعيد إصلاحها تاليًا، ويقاوم الوهنَ وهو على فراش الموت برسم سكيتش سريع لفتاة غريقة: تيرنر مجنون إذن تيرنر عظيم؛ لعلّ هذا ما يتمنّاه مايك لي لنفسه، أو يعتقد أنّها صورته، لعلّه يرى جمالًا في ذلك، وإلّا ما أنهى فيلمه وتيرنر على فراش الموت، تُصارع رئتاه أملًا في إدخال قليل من الهواء، لكنّه - ويا للمفاجأة - يستجمع أنفاسه ليصدح "الشّمس هي الله"، ثمّ بوم: يموت!

الموت، كما أعرفه، وكما شهدته أكثر من مرّة، لا كلمات أخيرة فيه، فهو ليس إعدامًا مُتخيّلًا يُسمح فيه للمحكوم بطلبٍ أخير، فيعيشُ طلبه وإن مات الجسد! الموت أبلد وأقلّ إثارة من ذلك بكثير، ولعلّه أقرب لسيرورة عملِ الفنّان منه للمنتج النهائي والنشوة التي تصاحبه: الموتى يذهبون بصمتٍ، بألمٍ وعزلة لا يُشاركهم أحدٌ إيّاهما، ولا يُبقونَ لنا سوى ذاكرة، كثيرًا ما تكون مشوّشة، تمامًا كما منتصف لوحة تيرنر. 

لمونتين مقالة بعنوان "التفلسف يعني أن يتعلّم [المرء] كيف يموت". وفي شرحٍ قد يوصم بالإيجابيّةِ بلغتنا الحديثة، يوضح مونتين المقولة في العنوان "نُزعجُ الحياة بالرّغبة في الموت. لم أرَ في حياتي فلّاحًا من جيراني يُفكّر بمقدار ما يقتضيه الموقف أو أيّة ضمانة يحتاجها لقضاء ساعته الأخيرة. الطّبيعة تُعلّمه ألّا يُفكّر في الموت إلّا حين تحين ساعته"8. أُعيد قراءة هذه المقولة المنسوبة لمونتين وأنا أُطالعُ لوحة تيرنر، أو شمسه، وأفكّرُ: ماذا لو أنّ الأمر خلاف ذلك، ماذا لو أنّنا نُزعج الموتَ بالرّغبةِ في الحياة عزيزي مونتين؟

هل يُمكن أن نستعين بفالتر بنيامين هنا؟ يقول بنيامين، في تفسيره للوحة بول كليه "ملاك التّاريخ"، التي شكّلت بالنّسبة له تفسيرًا لمفهوم التّاريخ الذي يتقدّم للأمام، مُعاينًا الماضي أو كومة الحطام المتراكمة حدّ السّماء: "هكذا ينبغي لملاك التاريخ أن يبدو. يولي وجهه شطر الماضي. ومن حيث تطالعنا نحن سلسلة من الأحداث، يرى هو فاجعة واحدة تراكم حطامًا فوق حطام وتلقي بها عند قدميه. يود الملاك لو يمكث، ويوقظ الأموات، ويلحم الشظايا. لكن عاصفة تهب من الفردوس لتتشبث بجناحيه بقوة تمنعه من طيّهما. تدفعه العاصفة بلا توقف نحو المستقبل الذي يوليه ظهره، بينما تنمو كومة الحطام أمامه صوب السماء. هذه العاصفة هي ما نطلق عليه التقدم"9

(Paul Klee - Angelus Novus)

لنعُد إلى لوحة تيرنر، ونسأل أنفسنا سؤالًا بسيطًا: هل تتقدّم خيوط الشّمس باتّجاه النّاظرين، أي إلى خارج التّكوين، أم تنسحب للوراء، عائدة صوب الشّمس بعيدًا عن النّاظرين؟ يشير تفسيرٌ آخر للوحة تيرنر بأنّها جاءت انتقادًا، أو إعلان وفاةٍ لعصر التّنوير، فالشّمس التي ظلّت كثيرًا استعارةً للعقل ومبادئ التنوير، ها هي تذوي في لوحته، مُعلنةً إظلام عيني أحد شخصيّات الحضارة الرّومانيّة الكِبار: الإمبراطور الروماني ريغولوس10. وعليه، لمَ لا نستمدّ من هذا التفسير منطلقًا لنا للقول إنّ الحواسّ (أحد عناصر التّنوير) قد لا يصلح الرّكون إليها بصورة مطلقة: شمسُ تيرنر ليست كالشمسِ التي نعرفها، ليست شمسَ لوران، فها هي أشعّتها تتقهقر إلى الوراء(مُجدّدًا؟).

بمفارقة عجيبة للوهلة الأولى، يحظى ريغولوس تيرنر بفرصة قلّ نظيرها: أن ينظر إلى موته بعينين لا تنغلقان، ربّما مثل جُثّة تشاهد موت الجسد الذي كان لها. هذا استطراد على اللوحة، لكن لو اختار تيرنر بالفعل تصوير المشهد من وجهة نظر ريغولوس، أي من وجهة نظر خارجيّة، فلا مفرّ لنا من محاولة الاستطراد، فاللوحة بكلّ ما فيها من صخبٍ وحركةٍ مُثبّتةٍ في لحظة زمانيّة واحدة، تستحيل إلى مُجرّد إلهاء، ولا أحاول هنا إلّا ما فعله تيرنر من قبل: تسليط الضّوء خارجها. 

وحسب السّابق، تبدو معاينة ريغولوس للشّمس كما لو أنّها حدثٌ ماضٍ يُستعادُ عبر الذّاكرة، فنظرته ثابتة لا تحيد، غير محكومة بالزّمان، مصّوبة دومًا نحو الأمام/الوراء، تستبقُ الحدث برؤيتها له، بمعاينتها لزمانيّته أثناء وقوعه، كما لو أنّه ينظرُ نحو الماضي لا نحو الحاضر أو المستقبل (لنتذكّر أشعّة الشّمس المتقهقرة). هل بإمكاننا أن نعدّ ذلك تفسيرًا جديدًا للذّاكرة؟ فالذّاكرة مشوبة بضبابيّة تنافي الحقيقة، أن تسردَ موقفًا يعني (بالضّرورة؟) أن تُعدّل عليه، أن تضفي عليه فهمك للعالم "غالبًا لا نتذكّر؛ لأنّ ذاكرتنا تتحوّل إلى شظايا نجمع منها ما يساعدنا على المتابعة، لكنّ الجرح يبقى عميقًا"11 كما تقول الفنّانة السوريّة رندا مدّاح في إحدى المقابلات، لكنّ الذّاكرة في حالة ريغولوس مساوية للحقيقة، إذ لا مجال لتزييف ما نراه، على الأقل بافتراض أنّ عينيه سليمتان.

***

"ليس شاغله أنّه وُلد، بل شاغله أنّه يموت" - بوب ديلان12

(من عمل رندا مدّاح "أفق خفيف")

يصف جون بيرجر منحوتات رندا مدّاح في عملها "بلا بشارة" مُخاطبًا إيّاها بالقول: "تترقّب المنحوتات أرضيّة لتقف، لتمشي وتستلقي عليها. وعلى ذلك فهي أكثر سكونًا من تماثيلكِ السّابقة وذلك السّكون يجعل من تراجيديّتها أقلّ قابليّة للنّسيان"13. استوقني تعبير "السّكون"، فعلى بدهيّته في وصف الموت/الموتى، يظلّ تعبيرًا مُستفزًّا، فكثيرة هي الأشياء التي يُمكن وصفها بالسّكون دون أن تحيل إلى الموت مباشرةً: النّظر إلى الأفق مثلًا، كما سنرى.

في عملها الآخر "أفق خفيف"، ولسبع دقائق متواصلة، نُشاهد سيّدة تتنقّل في أرضيّة باحةٍ يفصلنا عنها جدارٌ تتوسّطه نافذة وبابٌ مفتوح. تكنس السيدة الباحة ثمّ تشطفها وتمسحها، تُهيّئ لنفسها مطرحًا تُرتّبه بسجّادة ومنضدة وكرسي، ثمّ تجلس لتراقب الجولان، لينتهي "الفيلم" بالعبارة التّالية "عَيْن فيت، قرية سوريّة دمّرتها القوّات الإسرائيلية عام 1967"14.

(من عمل رندا مدّاح "أفق خفيف")

ما التّراجيدي في سيّدة تنظرُ إلى الأفق بعد توضيبها المكان، لو أمكن أن نستعير كلمات بيرجر لوصف هذا العمل؟ السّكون واضحٌ في عمل مدّاح هذا، نتتبّعه بتلصّص حتّى ظهور شارة الختام، لكن التراجيديا أكثر تفلّتًا من عملها في "لا بشارة". في "لا بشارة" ثمّة جثّة مقدّمة الصّورة، وفي مؤخّرتها، جسدان ملتصقان يطالعانها عن بُعد "بصمتٍ"، فيما يلوح وراءهما ظِلُّ كُرسيٍّ قد يُخيّل لنا، بقليلٍ من التّلاعب، أنّهما يتّخذانه مقعدًا، ليراقبا الجثّة الهامدة أمامهما.

(من عمل رندا مدّاح "بلا بشارة")

هل يُمكن لنا، كما فعل تيرنر حين جعلنا ننظرُ إلى المشهد بعيني ريغولوس المفتوحتين عنوةً، أن ننظر إلى الأفق بعيني التّمثالين من الصّورة الأولى، التّمثالين المُستلقيين على ظلِّ كُرسيٍّ واحد؟ هل يُمكن أن نقترح أن التّمثالين يُشكّلان استعارة لعينين تُناظران تراجيديا مُضاعفة: خسارة الجولان للاحتلال التي تشهد عليها الثقوب في الجدار الأيمن، والمأساة السوريّة المُستمرّة منذ أكثر من 13 سنة التي تشهد عليها الجثّة/التّمثال في مقدّمة الصّورة الأولى؟ 

أتساءل إن كانت تلك النّظرة هي ما يجعلُ الجثّة حقيقة، والأدهى، أو ربّما أقلّ قابليّة للنّسيان، أنّها ما يؤكّد وجود النّاظرين باسترجاعٍ للألم الذي خلّفه فيهم ذلك السّكون. 

***

"فقط عندما اعتقدتُ أنني أفوز 

عندما كسرت كل باب 

تهبّ أشباح حياتي 

أقوى 

من الرّيح" 

أشباح - فرقة جابان15


إذا كان الألم دليلًا علينا نحن، إذا كان هو هويّتنا المُضمرة التي لا تعترف بها سجلّاتنا المدنيّة: ريغولوس وتيرنير، "بلا بشارة" ورندا مدّاح، "العروس السوريّة" ونجلاء الوزّة… إلخ، فقد كافح الطّبّ النّفسي على مدار تاريخه ليمحو ذلك الألم. 

مُنح الطّبيب البرتغالي أنتونيو إيجاس مونيز عام 1949 جائزة نوبل في الطّب، عن تجاربه الطّبّية المُسمّاة "بَضْع الفَصّ" أو "الجراحة الفصِّيَّة" أو ما يُعرف بالـLobotomy. مع تصاعد حالات الإصابة بالاكتئاب وتقلّب المزاج والذُّهان والانفصام التي أدّت إلى امتلاء المؤسّسات النّفسيّة بالمرضى في سنوات الثلاثين من القرن الماضي، وبعد اطّلاعه على أبحاث مُجراة على القِرَدة، اقترح مونيز إجراءً طبّيًّا يسعى لفصل الفصّ الجبهي المسؤول عن التعبير العاطفي وحل المشاكل والذاكرة واللغة والحُكم والأفعال الجنسيّة والشّخصيّة عمومًا عن بقيّة الدّماغ وذلك بتدمير بعض الألياف العصبيّة المسمّاة بالمادّة البيضاء التي تربطه مع المِهاد الذي يعمل على استقبال ونقل الإشارات الحسّيّة16

بقطع ذلك الاتّصال، اعتقد مونيز أنّه سيتمكّن من إفقاد الفصّ الجبهي وظيفتَه، وتكشّف له بعد اختبار الإجراء على مرضى حقيقيّين أنّه ناجع بالفعل: تختفي الأعراض، لكنْ (أوبس) تختفي معها شخصيّة المريض، إذ يصير مُجرّدًا من أيّ إحساسٍ كان. 

ينتقل الإجراء الطّبّي من البرتغال إلى أمريكا، ويأخذ في سنوات الأربعين بالانتشار على نطاقٍ واسعٍ بعد عودة المُقاتلين من الحرب العالميّة الثّانية، فببساطة، المُجتمع لا يحتمل كُلّ أولئك المكلومين، وقد شكّل حلّ مونيز فتحًا عظيمًا: اقطع السّلك، وأطفئ كلّ تلك الفوضى. 

لكن، ما آليّة قطع ذلك السّلك؟ أودّ التّأكيد أنّ وصف الآليّة لا هدف له سوى إبراز المُفارقة، فما يبدو أنّه مجرّد تشبيه سخيف، كان واقعًا. مرّ الإجراء بمرحلتين، الأولى والتي كان مونيز مسؤولًا عنها، تُجرى بإحداث ثقبين عند طرفي الرّأس، ثمّ يُصبّ كحول الإيثانول في كلّ ثقب ليدمّر الأنسجة العصبيّة التي تربط الفصّ الجبهي بباقي الدّماغ17. لاحقًا، أدخل طبيبٌ أمريكيّ يُدعى والتر جاكسون فريمان تعديلين على ذلك الإجراء، الأوّل بالتّحوّل لاستخدام مطرقة حادّة بدل الكحول لفصل الفص الجبهي، والثّاني، والذي جاء لتجنّب إحداث أضرار في الجمجمة، بإدخال المطرقة من محجر العين بدل إحداث ثقوب في الدّماغ18

في تاريخ الطّبّ النّفسي، يؤرَّخُ للأدوية التي حيّدت إجراء مونيز بوصفها الخلاصَ (لا حاجة للتدليل على ذلك، افتحا صفحة أيٍّ من الأطباء النفسيّين على فيسبوك واقرآ ما يُنشر عليها)؛ إذ بات من الممكن أن يتجاور المريضُ مع شخصيّته دون أن يُشكّلا عبئًا على المُجتمع، لكن بنُسخة مُخفّفة من ذلك الكائن المُزعج الذي يُقلق من حوله، أحبّاءه على وجه الخصوص. 

***

"ما سبب هذا الاستعجال كلّه من أجل إبعاد جثثهم عن أعين الناس؟ أهي اللياقة؟ ما الشيء الذي يمكن أن يكون لائقًا أكثر من السماح لأم فتاة، أو لأبيها، برؤيتها ساعة إضافية، برؤيتها مستلقية في موقع الحادث نفسه، ظاهرةً كلّها... رأسها المُحطّم وبقيّة جسدها، وشعرها الملطّخ بالدم، وسترتها المبطّنة النظيفة؟ مرئية للعالم كلّه، من غير أسرار، مثلما هي!" - كارل أوفه كناوسغارد - كفاحي: موت في العائلة، ترجمة الحارث النبهان

أعدتُ مؤخّرًا قراءة رواية بيتر هاندكه "الشّقاء العاديّ"، وهي رواية تتحدّث عن الانتحار المُفاجئ لأمّ الكاتب، ذاك الذي لم يستوعبه، فراح محمومًا يؤرّخ لحياتها قبل أن تُولد حتّى، طمعًا في فهمٍ لهذا المآل الفاجع: "ها قد مرّت سبعة أسابيع على موت أمّي، وأودّ أن أنصرف إلى العمل قبل أن يتحوّل من جديد إلحاح الكتابة عنها، وكان بالغ القوّة لحظة دفنها، إلى مثل ذلك الصّمت الذّاهل الذي انتابني يوم بلغني نبأ انتحارها"19

انتحرت صديقتي في الثّامن والعشرين من آب 2017، لكنّ إلحاح الكتابة لم يستحِل مع مرور الوقت إلى ذلك الصّمت الذّاهل الذي خشي هاندكه أن يصيبه. طالما كانت الرّغبة موجودة، لكنّها ظلّت مُغمّسة بحزن وخجل من جعلها موضوعًا أستعيره للتّعبير عن فشلي في اقتحام الحياة، مثل ريغولوس رُبّما، ذاك الذي جعله تيرنر مُراقبًا أبديًّا لمشهدٍ يُشير إلى جفنيه الغائبين أكثر ممّا يشير إلى "المنظر البحريّ" أمامه. 

لكنّني لستُ هُنا لأحكي عنها، بل عنّي، وما منحتني إيّاه لوحة تيرنر من إمكانيّة إيقاف الزّمن، بل النّظر إليه عكسيًّا، إمكانيّة الحفاظ على ما مضى، بروزته أمامك مثل شمسٍ ناصعة البياض، لا تقتلُ بنفسها، لكنّها تجعلُ الألم حاضرًا بلا غشاء مُغطّى بكلامٍ غريب مفبرك على عجل. 

في الثّاني من تمّوز 2018، شهدتُ أوّل نوبة هلع دون أن تسبقها أيّ مقدّمات: خوف عارم ظلّل كُلّ شيء أعرفه أو أدركه. بعد أن عرفتُ التّشخيص، زرتُ عددًا لا بأس بهِ من الأطبّاء النّفسيّين. الإجراء المُتّبع بصرامة تُقارب البَلَه كالتّالي: في الجلسة الأولى، يأخذ الطّبيب/ـة بالسّؤال عن تاريخك السّابق واللاحق للمرض، ثمّ شيئًا فشيئًا، ينزلقُ الحوارُ إلى اختزالات خاطفة: هل تتأكّدُ من إغلاق الباب أو جرّة الغاز أكثر من مرّة، هل تنزعجُ من ميلان لوحةٍ حدّ الرّغبة بتصحيحها، هل راودتك رغبة في الانتحار، هل أقدمت يومًا على ذلك، هل سبق أن شعرتَ بطاقة مُفاجئة ودفقًا في الأفكار ورغبة ببدء مشاريعَ لا تني تتخلّى عنها، هل سبق أن شعرتَ بنقيض ذلك: فتور في الهمّة يتواصل أسابيع أو شهورًا؟ أسئلة على هذه الشّاكلة، الهدفُ منها التأكد من مطابقتك آخر قائمة صادق عليها التصنيف الدولي للأمراض (ICD) أو الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM): اكتئاب، قلق، اضطراب الشخصية الحدية، اضطراب ثنائي القطبيّة، اضطراب الوسواس القهري، الذهان، انفصام الشخصيّة… إلخ. 

مهما كانت الحالة، مهما اختلفت الشخصيّة، فالأدوية واحدة، غالبًا ما تستقرّ بداية على مُهدّئ للأعصاب ومثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) المُسمّاة عُرفًا بمضادات الاكتئاب، ثمّ تعقب الوصفةَ خطبةٌ عن كونك لستَ مجنونًا، وأنّك أقدمت على الخطوة الصّحيحة بعدم الخضوع لتصوّرات المُجتمع المغلوطة عن الطّبّ النفسي، ثمّ إحالة للسكرتاريا لترتيب جلسة قادمة، تُصاحبها 40 إلى 50 دينارًا نحصلُ قبالتها على ابتسامةٍ، وأملٍ بأنّ أحدًا ما على وجه البسيطة يفهمُ غرابتنا، تلك الغرابة التي تدفعنا لتجاهل الطّاحونة التي دوّى هديرها في البعيد، ولا رجاءَ بأن يتوقّف عمّا قريب. 

ما وددتُ قوله عن الطّبّ النّفسي، هو ذات القول عن مونيز: جميعهم يحاول أن يُعالج الأعراض، لكن ما لا يقولونه، عن قصدٍ أو جهل (أرجّح الأخيرة)، إنّ الهدف النّهائي هو عزلُ الذّاكرة التي تسببّت بتلك الأعراض، محوها، تحطيم الرّابط بينها وبين حيواتنا، كما لو أنّها المِهاد، ذلك الذي يُرتجى محو أثره، غافلين عن وقوعه، يا للغرابة، في منتصف الدّماغ. 

التزمتُ الصّمتَ في أغلب زياراتي للأطباء، مُنساقًا مع لعبتهم في الحديث عن الأعراض، في اعتناقهم الوسواسي (الهيستيري؟) لمفاهيم مُستوردةٍ من مواقع التّواصل الاجتماعي وكتب التنمية البشريّة عن التقدّم المُصاحب لمحبّة الذّات والاستماع من جديد إلى صوت الجسد الأنين، عن التّجاوز، عن التّركيز على "الآن وهُنا"، عن "التأريض" (Grounding)، والطّموح، وغيرها من المفاهيم المُستقبليّة، التي لا تتورّع عن نكران الماضي بصلافة لا سبيل معها سوى ارتخاء الفكّين. 

إذا كانت مشكلة دولوز مع التحليل النّفسي تكمن في اعتباره اللاوعي مسرحًا وإحالته كُلّ شيء إلى الطّفولة في هذيانٍ متواصل عن الأب والأم20، فيما يُمكن أن نُطلق عليه، بكثيرٍ من التصرّف، عبادةً للماضي، فإنّ مشاكل الطّبّ النفسي الحديث مع الماضي هي الكُفر المُطلقُ به: تبدو الأعراض لديهم كما لو أنّها اليوفوز UFOs: كائنات فضائيّة أشبه بكاريكاتورات دعائيّة لا ماضيَ لها، وُجدت لتحتلّ هذه البقعة من الأرض/الجسد، بلا سبب منطقيّ، ولا حلّ لنا سوى تعطيل الدّماغ ومحاربتها، ببراغماتيّة بلهاء تُشبه أمريكا أكثر من شبهها بفرعٍ طبِّيٍّ يدّعي الاعتناء بالنّفس. 

ماذا لو أنّنا نُزعج الموتَ بالرّغبةِ في الحياة عزيزي مونتين؟ 

كتبتُ عن صديقتي كثيرًا، وفي كُلِّ مرّةٍ كنتُ أبحثُ عن مُبرّرٍ أقوى لمعاودة الكتابة، في محاولةٍ للهربِ من شبح كناوسغارد رُبّما: أن تكتب عمّن تعرف لأنّك تستطيع، أو لعجزك عن كتابة شيءٍ آخر، أن تكتب عنهم ثمّ تُلاحقك تهمة استخدامهم موضوعًا للكتابة21. قد أكذبُ وأبرّر قائلًا إنّني أكتبُ عنها لأنّ ذكراها تزيد من رجفة يديّ، بأنّ نوبات الهلع دومًا ما تكون مصحوبة بصورة جانبيّة لها، بأنّها جعلتني ضحيّة أبديّة لخيارٍ لا شأن لي به حقًّا. لكنّني سئمتُ من الكذب والتّبرير، فأنا في الحقيقة أفعلُ ذلك، رُبّما مثل كناوسغارد، لأنّ ذلك يحلو لي، لأنّ الحديث عنها يجلبُ لي سعادةً أودّ إقحامها في أنوفِ كلّ القرّاء المُفترضين، ولأنّني ببساطة لا أفهمُ التقدّمَ سوى تمسّكًا بالماضي وجثثه المتراكمة: أن أحكي عنها يعني أنّني ما زلتُ بخير.

فكّرتُ، بعد أن تعرّفتُ على لوحة تيرنر، في ريغولوس الذي بدا لي أنّه لا يُناظر المشهد لأوّل مرّة بل يكرّره بأثرٍ رجعيّ، كما لو أنّه يُمسك بشريط الزّمن في مُشغّل أفلام إلكترونيّ، فتتحرّك خيوط الشّمس إلى الوراء كُلّما تحرّكت يده إلى اليسار (لو أطال ريغولوس الحركة إلى اليسار: هل يتمكّن من استعادة جفنيه؟)، كأنّ إمكانيّة الحفاظ على الذاكرة أو استعادتها تمامًا كما حدثت، باتت مُمكنة، كأنّ النّظر في الشّمس دون إغلاقِ العينين بات احتمالًا ممكنًا. 

***

نهاية العام 2013، نشرت صديقتي مُراجعة لرواية "عيناها" للإيراني بزرگ علوي حُذفت عن الإنترنت، لكنّ خاتمة المُراجعة ظلّت موجودة على صفحتها على موقع Goodreads "عيناها… ولكن من هي؟".

أتعرفُ الإجابة عزيزي تيرنر؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. بنيامين، فالتر. عن مفهوم التاريخ. ترجمة المصري، أميرة. 

https://www.madamasr.com/ar/2018/08/25/feature/ثقافة/عن-مفهوم-التاريخ/ 

  1. Beaumont, Matthew. Reason Dazzled: The All-Seeing and the Unseeing in Turner's Regulus. British Art Studies. https://britishartstudies.ac.uk/issues/issue-index/issue-15/turners-regulus 

  2. Beaumont, Matthew. Reason Dazzled: The All-Seeing and the Unseeing in Turner's Regulus. British Art Studies. 

  3. Beaumont, Matthew. Reason Dazzled: The All-Seeing and the Unseeing in Turner's Regulus. British Art Studies. 

  4. Fisher, Mark. Ghosts of My Life: Writings on Depression, Hauntology and Lost Futures. Zero Books. P.33 

"من منظور فرويد، يدور كل من الحداد والميلانكوليا حول الخسارة. لكن في حين أن الحداد انسحاب بطيء ومؤلم للرغبة الجنسية من العنصر المفقود، في الميلانكوليا، تظل الرغبة الجنسية مرتبطة بما اختفى للتّوّ. لكي يتّخذ الحداد بداية صحيحة، يقول دريدا في أطياف ماركس، يجب أن تُطرد روح الموتى: "يجب أن تضمن التعويذة عدم عودة الموتى: سريعًا، افعل كل المطلوب لإبقاء الجثة في موضعها، كي تتحلل تمامًا حيث دُفنت، أو حتّى لتُحنّط كما يحلو لهم القيام به في موسكو" (أطياف ماركس، ص 120) لكن هناك من لا يسمح بدفن الجثث، تمامًا كما يتماثل خطر (التّمثيل) في قتل شيء ما حدَّ أن يصبح طيفًا، [شيئًا] افتراضيًا خالصًا. يكتب دريدا "بمستطاع المجتمعات الرأسمالية دائمًا أن تتنفس الصعداء وتقول لنفسها: لقد انتهت الشيوعية، لكنها لم تحدث، بل كانت مجرد شبح. لا تفعل أكثر من التنصل ممّا لا يمكن إنكاره: الشبح لا يموت أبدًا، بل يحوّم دومًا كي يعود ويعود من جديد". (Specters of Marx ، ص123)

يمكن تفسير السكون، إذن، على أنه حداد فاشل. يتعلق [السكون] برفض التخلي عن الشبح أو -وقد يرقى هذا أحيانًا إلى الشيء نفسه- رفض الشبح التخلي عنا. لن يسمح لنا الطيف بالاستقرار على/الاكتفاء بـ المُرضيات المتوسطة القيمة التي يمكن للمرء الحصول عليها في عالم تحكمه الواقعية الرأسمالية".

  1. Beaumont, Matthew. Reason Dazzled: The All-Seeing and the Unseeing in Turner's Regulus. British Art Studies. 

  2. The Apollo Podcast. Film Special: Mike Leigh on Mr. Turner. Spotify.

https://open.spotify.com/episode/65yvliulfqJYXHUjQNYl6S?si=38a6f28ee3194928&nd=1 

  1. Xenophontos, Marianna. We’re all going to die. https://medium.com/brain-food-for-the-masses/were-all-going-to-die-e8196034717d

  2. .بنيامين، فالتر. عن مفهوم التاريخ. ترجمة المصري، أميرة. 

  3. Beaumont, Matthew. Reason Dazzled: The All-Seeing and the Unseeing in Turner's Regulus. British Art Studies. 

https://britishartstudies.ac.uk/issues/issue-index/issue-15/turners-regulus 

  1. مدّاح، رندا. حوار عزايزة، أسماء. فُسحة. 

https://www.arab48.com/فسحة/بصر/تشكيل/2020/06/25/لرندا-مداح-جولانان-حرية-ووحشة-%7C-حوار

  1. من مقدّمة الشّقاء العادي. هاندكه، بيتر. ترجمة حجّار، بسّام. دار الفارابي. ص7.

  2. Without annunciation. Installation, Fiber glass, 2010. BERGER, John.

https://randamaddah.com/?page_id=79 

  1. malek7243. مدّاح، رندا. فيلم روائي "أفق خفيف" لـ رندا مدّاح. Youtube.

https://www.youtube.com/watch?v=5ZkbeZi80yg 

  1. MagneticNorth71. Japan. Ghosts. Youtube.

https://www.youtube.com/watch?v=wOW4-oWnDPw 

  1. SciShow. The Worst Nobel Prize Ever Awarded. Youtube. 

https://www.youtube.com/watch?v=StrsvKSAbT8 

  1. The Controversial History of the Lobotomy. Psychcentral.

https://psychcentral.com/blog/the-surprising-history-of-the-lobotomy 

  1. Levinson, Hugh. The strange and curious history of lobotomy. 2011. BBC. 

https://www.bbc.com/news/magazine-15629160 

  1. الشّقاء العادي. هاندكه، بيتر. ترجمة حجّار، بسّام. دار الفارابي. ص9.

  2. MODERNITÉ ET LE POST-POSTMODERNISME. دولوز، جيل. جيل دولوز : الرغبة بنيوية (بنائية) تجميعية. Youtube. 

https://www.youtube.com/watch?v=WC7GcXj7rNc 

"الأمر بالغ البساطة، فيما أظن، بالغ البساطة بالنظر إلى موقفنا من التحليل النفسي. هناك أوجه متعدّدة، لكن بالنّسبة إلى مشكلة الرّغبة فإنّ المحلّلين النّفسيّين يتحدّثون حقًّا عن الرّغبة بالضبط كما يتحدّث عنها الكهنة، [...]، فماذا حاولنا أن نفعل في آنتي-أوديب؟ أعتقد أنّ ثمّة ثلاث نقاط رئيسية تتعارضُ مباشرة مع التحليل النّفسي. [...]، النقاط الثلاث هي: 1) أنّنا مقتنعان بأنّ اللاوعي ليس مسرحًا، ليس مكانًا يلعب فيه هاملت وأوديب مشاهدهما بلا نهاية، ليس مسرحًا، بل مصنعًا، إنّه إنتاج. اللاوعي يُنتج هناك، يُنتج دون توقّف، يعمل كمصنع؛ إنّه العكس تمامًا للرؤية التحليليّة - النّفسيّة للّاوعي باعتباره مسرحًا حيث تكون المسألة على الدّوام أنّ هاملت أو أوديب يذرعانه باستمرار، إلى ما لا نهاية. 2) الموضوع الثّاني أنّ الهذيان، الوثيق الارتباط بالرّغبة: فأن ترغب يعني أن تصبح هاذيًا إلى حدٍّ ما. وإذا نظرت إلى الهذيان مهما كان موضوعه، إلى أيِّ هذيان مهما كان، فإنّه بالضبط نقيضُ ما ألصقه به التّحليل النّفسي. أي، إنّنا لا ندخل في الهذيان عن الأب أو الأم، بل بالأحرى، يهذي المرء عن شيءٍ مختلفٍ تمامًا؛ هذا هو السر الكبير للهذيان، نحن نهذي "عن العالم بأسره". أعني، المرء يهذي عن التاريخ والجغرافيا عن القبائل والصحراوات والشعوب والأجناس والمناخات، هذا ما نهذي عنه…". 

  1. خرجت شائعات بأنّ عمّ كارل أوفه كناوسغارد هدّد بمقاضاته لكشفه كثيرًا من أسرار العائلة في الجزء الأوّل من روايته كفاحي. 

Garner, Dwight. At the Close of Karl Ove Knausgaard’s ‘My Struggle,’ a Magician Loses His Touch. The New York Times.

https://www.nytimes.com/2018/09/17/books/review-my-struggle-book-six-karl-ove-knausgaard.html 



الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018

الحقيقة بوصفها طريقًا أعوجَ بين الجنّة والجحيم


يُورِدُ أبو حيّان التوحيديّ قولَ بعض العرب في ليلته الخامسةِ والعشرين، إذ يقولون"خيرُ الكلام ما لم يُحتج معه إلى كلام"1منذ فترة، كنتُ أقرأ "لذّة النّصّ" لرولان بارت، وإذ به يقول: "إذا قبلتُ أن أحكم على نصٍّ حسب اللذة، فلا يمكنني أن أنساق إلى القول: هذا نصٌّ جيدٌ وذاك نصٌّ رديء. ]...[. فليس في وسعِ النص ]...[ أن ينتزع منّي سوى الحكم التالي الذي ليس نعتًا ألبتّة: هو ذاك، بل إنّي أقول: هو ذاك بالنسبة إليّ. وعبارة "بالنّسبة إليّ" هذه ليست ذاتيّةً ولا وجوديّةً بل هي نيتشويّة ("... إنّه في العمق دائمًا نفس السّؤال: ما هذا بالنّسبة إليّ؟")"2ثمّ فكّرت من توّي، لو قرأ أولئك العرب ما كتبه رولان بارت، هل كانوا ليتمسّكوا برأيهم؟

إنّ خيرَ الكلام، على النقيض ممّا كتب التّوحيديّ، هو الذي يُحتاج معه إلى كلام، ذاك الذي يشلُّنا مثل فرحٍ مفاجئ، هو الذي وصفه أبو حيّان التوحيدي نفسُه، أبو حيّان الذي تمتّعَ بلعب دور الله في ليلته، إذ يسجّل آراء هذا وذاك كيفما اتّفق، رغم مقدّمته عن كون الكلام خطيراً، وأنّ غاية لا تُرتجى منه للوصولِ إلى رأيٍ مُتّفقٍ عليه.

قُلتُ في الفقرة السابقة فرحًا، وتذكّرتُ الآن ابنَ سينا وهو يعرّف المُخَيِّل"ما تُذِعن له النفسُ فتنبسط على ضروب وتنقبض على ضروب..."3العلاقة مع الشّعر، النّثر: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي تحديدًا، علاقةُ عنفٍ، إذعان، لا فكاكَ لنا ممّا يُخيِّل أمام ناظرينا، كأنّنا على بعد شعرة من الموت ننظرُ في أعين ملك الموت، فلا يتركُ لنا فرصة تذكّر ما اختبرناه في جنّة المعرّي أو جحيمه.

يشُدّ الوقتُ قميصي من قُبُللماذا لم تُكمل تعريف ابن سينا للمُخَيِّل؟ فأضحك من محاولتي المُخجلة بمحاكاةِ أضرُبِ المحاكاةِ عندَهاللحن، الكلام، الوزناللّحن يُخلق بالتقطيع، وأنا لحني لِبنتُه التّردّد. "أكمل، أكمل..." يقول الوقتُ لي، والكلامُ الآن لابن سينا"...فتنبسط على ضروب وتنقبضُ على ضروب من غيرِ كدٍّ ولا إعمال فكرٍ ولا اختيار"3.

إنّ الأفعالَ، كما يقول الفارابي، كثيرًا ما تتبع الخيال، لذا سأحاولُ تتبّعَ ما فعله بيَ المعرّي في رسالة الغفران، وابنُ شهيد الأندلسيّ في رسالته التّوابع والزّوابع. ولأنّ المادّة أمامي كبيرة (لنتخيّلها غابةً مهولة)، ولأنّني لا أعرفُ بعدُ من أين أبدأ، سأستحضر أوّلًا قدامة بن جعفر "ركيكَ البلاغة في وصف البلاغة"4 كما وصفه التوحيديُّ، ليعينني على المَهمّة: "إن المعاني كلها معرضة للشاعر وله أن يتكلّم منها فيما أحبّ وآثر من غير أن يحظر عليه معنى يروم الكلام فيه إذ كانت المعاني للشعر بمنزلة المادّة الموضوعة والشعر فيها كالصورة"5وعلى حيرتي أمام المادّة أمامي، أودّ لو يعذرني: المعلّم الثّاني والشّيخ الرئيس، لأنّني أشعر أنّني صادقٌ فيما أفعل، وإن أبيا، فليتجاهلاني، وليركّزا مع أبي العلاء المعرّي وابن شهيد الأندلسيّ. 

أمّا رسالة الغفران، فقد نبشها دانتي من وسط الغابة: "لماذا هذا الاهتمام المفاجئ بكتاب أهمله القدماء أو لم يولوه عناية خاصة؟ الجواب يكمن في كلمة واحدة، في اسم واحددانتيلولا دانتي لما اهتمّ أحدٌ برسالة الغفران."6، وكذا رسالة التوابع والزوابع، إذ نفض الغبار عنها أبو الحسن الشنتريني في كتابه "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة"، وطه حسين من بعد حين نشرها عام 19397.

الغابة كثيفةٌ أشجارها، لا شمسَ تسطع عليها ولا قمرَ يؤنسهاظلمةٌ، إن أدلج موسى فيها، وسلك يده في جيبه ثمّ أخرجها لن يرى بياضها من سوادهاأقلب الحجارة باحثًا عن المعنى، وصوتُ الجاحظ في "البيان والتبيينو"الحيوانيبزّني: "إنّما يحيي تلك المعاني ذكرهم لها، وإخبارهم عنها، واستعمالهُم إيّاها"8، "والمعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي..."9.

أعود إلى رسالة الغفران بحثًا عن أيّ فكرة، وما أكثرها لولا سوء النّظرأثناء تجوال ابن القارح في الجحيم، يمرّ على تأبّط شرًّا، فيقول المعرّي على لسانه: "فيقول، أسنى الله حظّه من المغفرة، لتأبّط شرًّاأحقٌّ ما روي عنك من نكاح الغيلان؟ فيقوللقد كنّا في الجاهليّة نتقوّل ونتخرّص، فما جاءك عنّا ممّا ينكره المعقول فإنّه من الأكاذيب، والزّمن كلّه على سجيّة واحدة، فالذي شاهده معدّ بن عدنان كالذي شاهد نضاضة ولد آدم"10وفي موضعٍ آخر، يسأل ابن القارح الحطيئة: "بمَ وصلت إلى الشّفاعة؟ فيقولبالصّدقفيقولفي أيّ شيءٍ؟ فيقولفي قولي:

أبت شفتاي اليوم إلّا تكلّمًا ... بهُجرٍ، فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجهًا شَوّه الله خلقه ... فقُبّحَ من وجهٍ، وقُبّحَ حامله"11

الشّعرُ محنةٌ للشّعراء كما يقول ابن طباطبا12، لكنّ وصفه بالمحنة غيرُ كافٍ لدخول الجنّةإذ عليك أن تُحضر سببًا حتّى يُغفرَ لك. يوهمنا المعرّي هنا بعلاقة الصدق الكذب بالمغفرة، والصدق والكذب هنا لا يأتيان كما وردا عند الفارابي أو عند ابن سينا، إذ لا إحالة تُرتجى على مفهوم التّخييل عندهما3، بل هما أقرب لأحوال الخبر عند الجاحظ؛ الحطيئة يهجو نفسه مُعتقدًا فيما يقول، وكذا تأبّط شرًّا، يكذب مُعتقدًا استحالة ما يقول، حين قال: "أنا الذي نكح الغيلان في بلدٍ ... ما طلّ فيه سماكيٌّ ولا جادا"13أقول يوهمنا، لأنّ الصدق ليس منجاة دومًا كما يرد في رسالته، إذ دفع طرفة بن العبد ثمنه الهبوط إلى الجحيم "وددت أنّي لم أنطق مصراعًا، وعدمتُ في الدار الزائلة إمراعًا، ودخلتُ الجنّة مع الهمج والطّغام..."14في النّهاية "المغفرة أرزاق، كأنّها النشب في الدار العاجلة"15، كما يُلخّص أوسُ بن حجر رؤيته لمغفرة الله من عدمها.

خطوة إلى الوراءما زال الشكل الذي ظهرت فيه رسالة الغفران غريبًا ومستغلقًا عليّ، على الأقل في جزئها الأوّليقترح عبد الفتّاح كيليطو سببًا لهذا المنحى الذي أخذته الرسالة: "يتبيّن لنا أنّ استحضار الآخرةِ ووصفَها عبارةٌ عن استطراد، ولعلّه لم يكن في حساب المعرّي، فلم يأتِ على الأرجح نتيجة تخطيط مسبقفكأنّ المعري أُخِذَ على حين غِرّة وفوجئ بفيض الكلام، فانساق مع حركته بنشوة عارمة"16يذكّرني اقتراح كيليطو في كون الجزء الأوّل من الرسالة ليس إلّا استطرادًا، بأنّ أبا العلاء جزءٌ من تراثٍ كاملٍ يمجّد ما يأتي عفو الخاطر3، ما يخترقنا فنُذعن له، كأنّنا راهب امرئ القيس "ممسى متبتّلِلشدّة ما لذّت أنفسنا لما نقرأ. أعود من استطرادي الآن، فالأفكار مثل الماء، فيض، إن هي دفقت، تُغرقلكنّ الماء مثل الكلامكلاهما سائلٌ لا يُمسك، و"الكلام على الكلام صعب"17لماذا هو صعبٌ هنا؟ لأنّ اقتراح كيليطو لا يقدّم حلًّا لعديدٍ من الأشياءلماذا اختار المعرّي ابن القارح، لا نفسَهُ، سفيرًا لرحلته؟ لماذا الشعراء تحديدًا - والأنبياء والشيطان - يتقاسمون الجنّة والجحيم والمحشر دونًا عن عامّة الناس؟

أعود إلى الغابة، وأنقّب أسفل حجارة الفارابي علّي أجد جوابًا ما: "وكذلك نحن ربّما لم نعرف زيدًا، فنرى تمثاله فنعرفه بما يحاكيه لنا، لا بنفس صورتهوربّما لم نرَ تمثالًا له نفسه، ولكن نرى صورة تمثاله في المرآة، فنكون قد عرفناه بما يحاكي ما يحاكيه، فنكون قد تباعدنا عن حقيقته برتبتين"18إذا استعرنا التمثال للرسالة، ومددنا الاستعارة، فإنّ زيدَ الفارابي هو ابن قارح المعرّينرى صورته منعكسةً على مرآة الكتابة في الرسالةوقبل أن نعرف عن أيّ حقيقة نبتعد، علينا تقصّي كنه المحاكاة القائمة في الرسالة.

سأُشرك ابنَ شهيدٍ، ورسالته، في الحديث هنايذهب ابنُ شهيدٍ وتابعُه زهيرُ بن نمير إلى وادي عبقر ليلاقي الشعراء والخطباء والجنّ والحيوانات، لكنّه، وتابعه، لا يطلبا الإجازة إلّا من الشعراء دونَ غيرهميتباهى ابن شهيد بشعره كما نثره أمام الجميع من بشرٍ وجنٍّ وإوزّ، لكنّ طلب الإجازة مقصورٌ على الشعراء وحدِهموعلى غراره، لا نجد في جنّة المعرّي وجحيمِه إلّا الشعراء (ونبيّين، وشيطانا رجيما، أضاف إليهم بعضًا من آل بيت النّبي). "يحاكي ما يحاكيهليست هي المعضلة (مبدئيًّا)، فمحاكاة إسراء الرسول إلى بيت المقدسإسراء ابن شهيد إلى وادي عبقر؛ معراج الرسول إلى السماوات السبعمعراج ابن القارح إلى الجنّة وهبوطه إلى الجحيم، واضحة ولا داعيَ لطويل تفكّر حتّى ننتبه لهاأمّا غير الواضح هو تلك "الحقيقةالتي تغيّاها المعرّي وابن شهيد في فعليهماوفي رسالة الغفران تحديدًا، إذا أراد المعرّي غاية من رسالته، لنسمّها حقيقة، فلماذا اختار رجلًا غيره، وإن مدحه بأفضل الصفات، ليحاكي به الرسول، فيبتعد عن غايته بدرجتين؟

إنّ موقف الله/القرآن من الشعر، أقلّ ما يمكن وصفه به؛ الالتباسوسأدخل إلى هذا الباب من خلال أبي العلاء، الذي قد يساعدنا في إجلاء الضباب قليلًا، لنرى مواضع أقدامنا على أقلّ تقدير، ففي قولٍ له من الجزء الثّاني من الرّسالة: "والشّعراءُ مطلقٌ لهم ذلك، لأنّ الآية شهِدتْ عليهم بالتخرّص وقول الأباطيل: "ألم ترَ أنّهم في كلِّ وادٍ يهيمون، وأنّهم يقولون ما لا يفعلون]الشعراء 225&226["19يحقّ لنا السّؤال وقد أوردَ أبو العلاء آية تُدين الشّعراء، مجدّدًا، لماذا كانوا وحدهم في جنّته وجحيمه دونًا عن سائر البشر؟ أم إنّ السؤال مقلوبٌ من الأساس، إذ يُوجّهه أبو العلاء للّه؟ إن كان الأمر كذلك، فكيف إذًا نفسّر موافقته مضمون الآية في الاقتباس السابق؟ جاء الاقتباس من الجزء الثّاني من الرسالة، وكما يُعرف فقد أتى الجزء الثّاني ردًّا على رسالة ابن القارح لأبي العلاءفي رسالته، أظهر ابن القارح خشونةً في التعامل مع المسائل الأخلاقيّة، الأمور عنده منضبطة، لها رائحة المنازل المرتّبة والنظيفةيصعب عنده أن يجتمع الشعر والكفر (أو أيّ نزعة مجانبة للتديّن "كما يجب أن يكون")، مثلًا "كذب والله ]يقصد المتنبّي[، لقد كان يتحرّش بالمكارم ويتحكّك بها"20، كأنّما ملك ابن القارح مفاتيح الجنّة والنّارالمغفرة بالتّبعيّةيقابل أبو العلاء تعصّب ابن القارح بثلاث طرائقالأولىمحبّة صافية، تظهر باختياره بطلًا للرّحلة، بوصفه المثال الأوضحوالثّانيةالمداراة، فأبو العلاء يظهر حرصًا على صورته أمام ابن القارح، فيوافقه على آرائه المتشدّدة أحيانًا، كأن يقول عن الحلّاج: "وأدلُّ رُتَبِ الحلّاج أن يكون شَعْوَذِيًّا، لا ثاقب الفهم ولا أَحْوَذِيًّا، على أنّ الصّوفيّة تعظّمُهُ منهم طائفة، ما هي لأمره شائفة"21ويخالفه بالتلميح أحيانًا، كأن يدافع عن المتنبّي مثلًا، عند الحديث عن مسألة ادّعائه النبوّة، في قوله: "وإذا رُجِعَ إلى الحقائق، فنطق اللسان لا يُنبئ عن اعتقاد الإنسان لأنّ العالم مجبولٌ على الكذب والنّفاق، ويُحتملُ أن يُظهِر الرّجل بالقول تديّنًا، وإنّما يجعل ذلك تزيُّنًا، يريدُ أن يَصِلَ به إلى ثناء، أو غرضٍ من أغراض الخالبة أمِّ الفناء، ولعلّهُ قد ذهب جماعةٌ هم في الظّاهر متعبّدون، وفيما بطن ملحدون"22. الثالثة، والأكثر تعبيرًا عن موقف أبي العلاء الحقيقيّاستعادة المغفرة/القوّة، في جزء الرّسالة الأوّل، وإمعانًا منه في ذلك، استخدم ابنَ القارح نفسَه أداةً في رحلته العجيبةالأمر الذي قد يفسّر سبب كتابة الجزء الأوّل منذ البداية، إذ لا تبدو استطرادًا بحتًا كما اقترح كيليطو سابقًا.

وقد وصلنا هذا الموضع، أريد اختبار فكرة أخرىهل قصد أبو العلاء، منذ البداية، محاكاة الرّسول في رسالته، أم أنّنا نحن من نبتعد عن الحقيقة درجات الآن؟ (سأستثني ابن شهيد ورسالته من السؤال، لعدم وضوح مراده في رسالته، إذ يبدو لي أنّه استطرد بفكرته، حتّى سبقته فخلّته وحيدًا يُجادِل إوزّة!، أو توخّيًا للصدق الذي أدّعي: لأنّه يفعل بي ما فعلته بوزع بابن قتيبة)23.

وكيلا أبعد بحكمي على المعرّي درجة عن الحقيقة، تمامًا كما يبتعدُ هو عن نفسه درجة باختياره ابن القارح وسيطًا في الرّحلة، عليّ أن أعود إلى الوراء قليلًا. يرد في سورة الأنبياء، الآية 3، التالي: "لاهيةً قلوبهم وأسرّوا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون"، كما يرد في سورة المُدّثّر، الآيات من 18 حتّى 25: "إنّه فكّر وقدّر، فقُتِلَ كيف قدّر، ثم قُتِلَ كيف قدّر، ثم نظر، ثمّ عبس وبسر، ثمّ أدبر واستكبر، فقال إنْ هذا إلّا سحرٌ يُؤثَر، إن هذا إلّا قولُ البشر". في الآيات السّابقة، على اختلاف مقاصد المشركين فيها، ثمّة اعتراف ببشريّة الرّسول. في بحثٍ لحسين عدوان، بعنوان "الجنون والنّبوّة"، يقول: "لجأَ المشركونَ في كلّ مرةٍ إلى تفسير الظاهرة القرآنيّة ليصلوا إلى قناعةٍ ما ببشريّةِ هذا الكتاب؛ فالقرآن يقرّرُ معَهم بوضوحٍ عن كونِ النبيّ "بشرًا"24.

ثمّة حديث طويل للرسول عن ليلة الإسراء والمعراج25، يصف به ما رآه في ذلك اليوم، بادئًا بتغسيل "آتٍلقلبه، ومنتهيًا بمفاوضاته مع الله على عدد صلوات اليوم الواحدفي ذلك الحديث، يصف الرسول صعوده إلى طبقات السماء السبعيتعرّف في كلّ طبقة على نبيّ أو أكثر، وينتهي اللقاء بجملة كالتالي: "هذا أبوك آدم فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبًا بالابن الصالح والنّبيّ الصّالح". يُجاز الرّسول ممّن يشابهونه في حمل الرسالات، وهذا مفهومٌ في سياقه. لكنّ الموقف مقلوبٌ عند أبي العلاء/ابن القارح (وجه أبي العلاء الآخر)، إذ يبحث عن أسباب المغفرة في قصّة مخترعة، كأنّه من يمنحها، لا من يسأل عن أسبابها. 

أدّعي، أنّ أبا العلاء أراد محاكاة الله في رسالته لا الرّسول. وأستذكر هنا ما قاله حسين عدوان عن قناعة المشركين ببشريّة القرآن، إذ لولا وعي أبي العلاء بهذه المسألة، لانهار ادّعاؤنا سابقُ الذّكر. تقصّد المعرّي أن يسلك خطًّا يبدو فيه أنّه يحاكي الرّسول، لكنّه حافظ على وضع إشاراتٍ افترق بها عنه. في الليلة الخامسة والعشرين من الإمتاع والمؤانسة، أثبت أبو حيّان التوحيديّ لابنِ كعبٍ الأنصاريّ موقفَه المُساندَ للنّثر "من شرف النثر أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم ينطِق إلّا به آمرًا وناهيًا، ومستخبرًا ومخبرًا، وهاديًا وواعظًا، وغاضبًا وراضيًا، وما سُلب النظم إلا لهبوطه عن درجة النثر، ولا نُزّه عنه إلا لما فيه من النّقص، ولو تساويا لنطق بهما، ولمّا اختلفا خُصّ بأشرفهما الذي هو أجول في جميع المواضع، وأجلب لكلّ ما يُطلب من المنافع"26ارتضى المعرّي، وهو شاعرٌ قبل أن يكون ناثرًا، أن يبتعد عن الحقيقة درجة (أو درجتين، على طريقة الفارابي، إذا اعتبرنا الكتابة درجة ثانية من المحاكاة) باختياره ابنَ القارحِ لا نفسَه، وأن يقترب منها بالهيئة التي نطق بها محمّدٌ – صلّى الله عليه وسلّم - على لسان اللهالنثرلاقى محمّدٌ الأنبياء في معراجه، ولاقى المعرّي الشعراء (حتّى آدم الذي لقيه ابن القارح في الجنّة، تحدّث وإيّاه في الشعر). استثنى محمّدٌ بوصفه النّاقِلَ لكلامِ الله "الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا"27، ولم يرَ المعرّي غضاضة من إيراد الشّتائم على لسان أحد المغفورين لهم: النّابغة الجعديّ، مخاطِبًا النّابغة الجعديّ: "لحقُّك أن تكون في الدرك الأسفل من النار، ولقد صلي بها من هو خيرٌ منك، ولو جاز الغلط على ربّ العزّة، لقلت: إنّك غُلط بك!"28.

لكنّ الافتراق عن الرّسول، يبدأ، كما بدأ كلّ شيء، بالكلام29، أي باللغة. ورد في لسان العرب، في باب "نباكثيرٌ من الأشياء، أختارُ منها:

والنبوّةالجفوة، الإقامة، الارتفاع.

والنبوّة والنَّباوة والنبيّ: ما ارتفع من الأَرض.

والنبيّ: العلم من أعلام الأرض التي يُهتدى بها.

قال بعضهم: ومنه اشتقاق النبيّ لأَنه أرفع خلق الله، وذلك لأنه يُهتدى به.

ونبا حدُّ السّيف إِذا لم يقطع.

ونبا به منزلُهلم يوافقْه، وكذلك فراشُه.

ونبا فلانٌ عن فلانلم ينقدْ له.


لكن، تظلّ آليّة محاكاة المعرّي لله مجهولة، حدّ اللحظة، ولكثرة ما ألححتُ في هذه المسألة أشعر بأبي العلاء، على طريقة علم المعاني العربيّ، مُخاطَبٌ منكرٌ لما يسمع (أم أنّه يسمع؟). ولأنّنا لم نصل لإجابة بعد، أريد العودة إلى لفظة الغلط في رسالة الغفران27، لأفتح شقًّا في دائرة الكلام، الصّعب، الذي يدور على نفسه كما يصفه التّوحيديّ. يُفرّق الفارابي بين المُغلّط والمُحاكي "ذلك أنّهما مختلفان بوجوهمنها أنّ غرضَ المُغلّط غيرُ غرضِ المُحاكي، إذ المُغلّطُ هو الذي يغلّط السّامع إلى نقيض الشيء حتّى يوهمه أنّ الموجود غير موجودٍ وأنّ غير الموجود موجودٌفأمّا المُحاكي للشّيء فليس يوهم النّقيض، لكن الشّبيه"30.

سألجأ الآن، كما فعلتُ سابقًا مع قدامة بن جعفر، لحازم القرطاجنّي31، إذ يُميّز بين أنواعِ قوًى ثلاث، تدخُلُ على الشّاعر لحظة نظمه الشّعرالقوّة الحافظة؛ القوّة المائزة؛ القوّة الصانعةوالقوّة الحافظة عنده تتعلّق بترتيب الخيالات في رأس الشّاعر، إذ إنّ بعض الشّعراء خيالاتهم منتظمة، وبعضهم خيالاتهم معتكرةويشبّه الأوّل بمن يحفظ أماكن جواهره حين يريد العودة إليها، والثّاني بالذي لا يتذكّر أماكن جواهره، فيضيع الوقت كلّ مرّة بالبحث عنهاولأنّ خيالي أشبه بمن "خيالاتهم معتكرة" الآن، أريد أن أطلب إبعاد صورة الله العدل من أذهاننا قليلًا، فإنّ واحدًا من الأشياء التي يتحقّق فيها وجودُ الله (أو صورتُه) "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ"32. بمعنًى آخر، أنّه يستطيع فِعْلَ ما يشاء، رغم معايير الحكم التي سنّها. لكن الأشياء ليست بهذه البساطة، على الأقل ليست بالنّسبة لأبي العلاء، فلكي يحاكي "الشبيه" حاول أن يموضع نفسه مكانه، ليمنحنا (ويمنح/يسلب الشعراءَ أسبابَ المغفرة). نجد في جنّته كثيرًا من "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ"33، مثل عبيد بن الأبرص الذي قال في حياته البيت التالي "من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب"، فكان سببًا لخروجه من الجحيم إلى الجنّة. سأستخدم قول الفارابي (وأتخيّله مقطِّب الحاجبين) وأصف البيت بأنّه "في الحقيقة قول شعريّ قد عُدِل به عن طريق الخطابة إلى طريق الشّعر"34، رغم ذلك تكفّل بالمغفرة وحده. لكن الصّدق ليس منجاة على الدّوام كما أسلفنا. لماذا اختلّ المعيار هنا؟ أميل إلى تلاعب أبي العلاء بنا، فإذا كان الأمرُ عائدًا لله، فلن يكون غريبًا أن يدخل رجلًا الجنّة لصدقه، شاعرًا كان أم لم يكن. يرد في أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني35، ما يعيننا على وصف مكر أبي العلاء: "فلولا أنّه أنسى نفسه أنّ ههنا استعارةً ومجازًا من القول وعمل على دعوى ]المغفرة[ على الحقيقة لما كان لهذا التعجّب معنًى"36. تناسيه الاستعارة، استعارة ابنِ القارح (أو نفسه) ليحاكيَ الله، تفسّر ذهول ابن القارح، في الجحيم خاصّة، عن سؤال من يقابلهم عن أسباب مصيرهم، إذ نجده يكتفي مع عنترةَ وامرئِ القيس، على سبيل المثال، بالسؤال عن احتمالاتٍ رُويت بها بعض أشعارهم، كأنّهم يجلسون في سوق عكاظ لا في الجحيم.


بقي أن نحاول الإجابة على سؤاللماذا الشعراء دونًا عن غيرهم؟ أعود لحسين عدوان، في كلامه عن الآية (69) من سورة يس: "وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ": إذ يقول: "القرآن يقدّمُ صورةً عن تعاطي الشعراء والناس مع فكرة الشعر على أنّها اتّصالٌ بهذا العالم من الجنّ، ثمّ إنّه يحاولُ تعديلَ الفكرةِ ونسبتها إلى الله الذي ينسبُ إلى نفسِهِ تعليمَ الشعر"37. إذا كان للمعرّي أن يحاكي الله، فقد علم أنّه لا مجالَ يقترب فيه منه أفضلَ من الشّعر، ذات الأمر الذي قام به الله مع العرب قديمًا، ولستُ غافلًا عن بون القرآن عن الشّعر، ولأخرج نفسي من المأزق، تعالوا نغمض أعينَنا، محاولين بسذاجة محاكاةَ أبي العلاء، ولنستحضر، وسط العتمة الذاهبة بعيدًا، الآية السابعة والأربعين من سورة يس: "نحنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا"، وقبل أن نقول شيئًا، لنستحضر الآية السادسة والثلاثين من سورة الصّافّات: "ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون". عن الآية الأولى، يقول حسين عدوان: "وهذا الوصف الجديد يوصلُنا إلى منتهى قضيّة السحر لدى المشركين في تفسير القرآن والنبوّة، فتجعل من النبيّ "رجلًا مسحورًا"! أي خاضعًا لتأثيرٍ خارجيٍّ ليسَ له نصيبٌ منه سوى تلقّيه والخضوع له!"38، إذا كان اسم المفعول "مسحورًا" عائدًا على الرّسول، ومجدّدًا وسط العتمة، أتساءل، لكن مع رجفة لا معنى لها سوى الخوف لا من السؤال ذاته بل من المسافة التي تفصل البسملة في بداية الرسالة عن خاتمتها، والزمن الذي انضغط بينهما، هل يعود اسم الفاعل في "شاعرٍ مجنون" على الله ذاتِه؟ لا أستطيع إلّا أن أفهم المعرّي على هذه الشّاكلة، فالله عندَه الشّاعرُ الأوّلُ والأخير، ولأنّ طريق الحقيقة أعوج، فكلا الله والمعرّي، لجآ للنّثر، محاكاة للشّعر فـ"كثيرٌ من النّاس يجعلون محاكاةَ الشيءِ بالأمر الأبعد أتمَّ وأفضلَ من محاكاتِه بالأمرِ الأقرب"39.

إنّ نقيض الغفران في حالة أبي العلاء: الخلود في جهنّم؛ أي الموتُ بمعنًى ما. وكذا الخاتمة، تأتي رويدًا رويدًا، مثل نملٍ يسبحُ على أجسادنا، أو مثل محطّات التلفاز حين يُقطعُ البثُّ عنها، يلتهمنا حتّى يحلّ صمتٌ بعيدٌ وعميق، بُعْدَ حرف الدال في نهاية بيت أبي العلاء: "إنّ حزناً في ساعة الموت ... أضعافُ سرورٍ في ساعة الميلاد" عن القارئ. يخفت الصّدى، فنغيب في النّوم؛ الموت؛ أو الحرمان من المغفرة على طريقة أبي العلاء، مجدّدًا.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): الإمتاع والمؤانسة - الليلة الخامسة والعشرين - أبو حيّان التوحيديّ – دار الجيل  ص248.

(2): لذّة النّص – رولان بارت – ترجمة فؤاد صفا – منشورات الجمل – ص20.

(3): فنّ الشّعر - من كتاب الشّفاء – ابن سينا  ص161.

(4): الإمتاع والمؤانسة - الليلة الخامسة والعشرين - أبو حيّان التوحيديّ – دار الجيل  ص251.

(5): راجع: نقد الشّعر – أبو الفرج قدامة بن جعفر – دار الكتب العلميّة.

(6): أبو العلاء المعري أو متاهات القول – منامات أبي العلاء - عبد الفتّاح كيليطو – دار توبقال - ص19.

(7): رسالة التوابع والزوابع – ابن شهيد الأندلسي – دار صادر - ص63.

(8): راجع: البيان والتبيين – الجاحظ – الجزء الأوّل – دار الكتب العلميّة

(9): كتاب الحيوان – الجاحظ -الجزء الثالث  دار الكتب العلميّة.

(10): رسالة الغفران – أبو العلاء المعرّي – دار صادر - ص141.

11)): نفسه - ص110&111.

(12): راجع: عيار الشّعر – ابن طباطبا العلويّ – دار الكتب العلميّة.

(13): نفسه – ص141.

(14)نفسه - ص130.

(15): نفسه – ص131.

(16): أبو العلاء المعري أو متاهات القول – منامات أبي العلاء - عبد الفتّاح كيليطو – دار توبقال – ص20.

(17): الإمتاع والمؤانسة - الليلة الخامسة والعشرين - أبو حيان التوحيديّ – دار الجيل - ص243.

(18): مجلة شعر – أبو نصر الفارابي - العدد 12 – 1959 - ص91.

(19): نفسه - ص206.

(20): نفسه - رسالة ابن القارح – ص160.

(21): نفسه - ص228.

(22): نفسه - ص207.

(23): يقسّم ابن قتيبة الشعر أربعة أقسام، الرابع منها: "وضربٌ منه تأخّر معناه وتأخّر لفظه". ويورد في هذا القسم، أبياتًا للفراهيدي، يقول في واحدٍ منها: أمُّ البنين وأسما ... ءَ وربابَ والبوزع. ويعلّق ابن قتيبة عليه، فيقول: "ولو لم يكن في هذا الشعر إلّا "أمّ البنين" و"بوزع" لكفاه!". راجع الشّعر والشّعراء – ص70.

(24): النّبوّة والجنون – حسين عدوان - الجامعة الأردنيّة.

(25): راجع: صحيح البخاري – كتاب مناقب الأنصار – باب المعراج (3887) – وزارة الشؤون الإسلاميّة والأوقاف والدّعوة 
والإرشاد – المملكة العربيّة السّعوديّة.

(26): الإمتاع والمؤانسة - الليلة الخامسة والعشرين - أبو حيّان التوحيديّ – دار الجيل  ص245.

(27): سورة الشّعراء – آية 227.

(28): نفسه - ص65.

(29): ابتُدئ القرآن بـ "اقرأ..." (سورة العلق – 1)، كما جاء في إنجيل يوحنّا (1:1) "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ."

(30): مقالة في قوانين صناعة الشعراء - ضمن، فن الشعر، تأليف أرسطوطاليس – أبو نصر الفارابي - ص 150ـ 151.

(31): راجع: منهاج البلغاء وسراج الأدباء – حازم القرطاجنّي – دار الغرب الإسلامي.

(32): سورة يس– آية 82.

(33): سورة الأحقاف – آية 16.

(34): مجلة شعر – أبو نصر الفارابي - العدد 12 – 1959 - ص91.

(35): أسرار البلاغة – الإمام عبد القاهر الجرجاني – استانبول: مطبعة وزارة المعارف.

(36): قمتُ هنا بالتّصرّف بالنّصّ الأصلي، إذ استبدلت لفظة "المغفرة" ب"شمس".

(37): النّبوّة والجنون – حسين عدوان - الجامعة الأردنيّة.

(38): النّبوّة والجنون – حسين عدوان - الجامعة الأردنيّة.


(39): مجلة شعر – أبو نصر الفارابي - العدد 12 – 1959 - ص91.