الاثنين، 4 مارس 2024

ليلة الضوء السرية: قلب مكسور بأثر رجعي

* كُتب هذا المقال ضمن ورشة "كتابة النقد الفني" التي أقامتها دارة الفنون عام 2022، تحت إشراف الكاتب يزن الأشقر. الكثير من الأفكار طُوّرت في جلسات مُطوّلة معه، وكذا الحال مع بنية المقال؛ لذا أدين له بشكر كبير.



                                                                      (Regulus - J. M. W. Turner)



«كان اللاهوتيون في القرون الوسطى يرون أن الفتور الروحي السبب الجذري للتعاسة. وصفه فلوبير، ولم يكن غريبًا عنه، قائلًا: «قليلون قد يدركون مدى التعاسة التي وصل إليها من أخذ على عاتقه بعث قرطاج»» - فالتر بنيامين - عن مفهوم التّاريخ1.

«[الضوء] الباهر هو الليل في وضح النهار ، هو الظلام الذي يبسط سيطرته في صميم الفائض من أشعّة الضوء. العقل المُبهَر يفتح عينيه على الشمس ولا يرى شيئًا، أي إنّه، يعدم الرؤية؛ في حالة الإبهار، فإن انحسار الأشياء نحو أعماق الليل يتلازم مباشرة بقمع للرؤية نفسها؛ في اللحظة التي يرى فيها [العقلُ المُبهَر] الأشياء تختفي في ليلة الضوء السرّيّة، يُطالعُ البصر نفسه في اللحظة التي يختفي فيها» - Madness and Civilization - ميشيل فوكو2.

***

في الثاني من تشرين الثّاني 2014، عنون موقعٌ إخباريّ أحد أخباره بـ"انتحار الفنانة السورية نجلاء الوزة حزنًا على دمشق". إذا لم تمرّا على الخبر سريعًا، بإمكانكما أن تقرآ في ثناياه التّالي: "ولم ترد تفاصيل أخرى حول حياة الفنانة وموتها وظروف حياتها سوى أنها تعرضت لمحاولة انتحار سابقة نجت منها. ويقول مقربون أنها كانت تقف مع الثورة السورية، ويوضح ذلك بشكل جلي عبر أعمالها التشكيلية التي تتضامن مع الثورة وأنها انتحرت حزناً على دمشق".


ظلّتُ نجلاء حاضرة في ذهني منذ ذلك التّاريخ، لا تمرّ فترة إلّا وأحاول تتبّع آثارها، أو "أعمالها" كما ينصّ الخبر. لن تتمكّنا من إيجاد الكثير؛ فالإنترنت، ورغم ما يعطي المرء من إحساس بمعرفة شموليّة، مجرّد سحابة يُغذّيها حجمُ اتّصالنا به؛ غيبا عنه فترةً من الزّمن وسوف يبدأ شخصٌ في الطّرف الآخر من العالم بالشّك بوجودكما! 


وصلتُ ببحثٍ سريعٍ إلى فيلم محمّد ملص "سلّم إلى دمشق" الذي لعبت فيه نجلاء دورًا مهمًّا، وصورة تكسرُ القلبَ بأثرٍ رجعيّ لعمل فنّي يصعب وصفه، قد نسمّيه تركيبًا تجاوزًا، عنونتها بـ"عروس سوريّة"، عثرتُ عليها في إحدى صفحات الفيسبوك. 


بلا رابط منطقيٍّ، أو بوجوده ربّما، استدعت ذاكرتي، في اللحظة التي طالعتُ فيها لوحة تيرنر "ريغولوس" أوّل مرّة، نجلاء، بوجهها البلاستيكي الذي يبرزُ من العمل كما لو أنّه وجه مانيكان معروض خلف زجاج "نوفوتيه" في وسط البلد، والبذلة المعلّقة مرّتين: بعلّاقة معدنيّة؛ وبخيط يمتدّ عموديًّا إلى خارج الكادر، تاركًا إيّاي حائرًا في سخافة الحقيقة، أو ربّما في بلاهة الاستعارة حين تكثِّفُ الموتَ بصورة ملابس غادرتها صاحبتها في الصّورة تمامًا كما في الواقع.

***

في تاريخ الفنّ، يُقدَّم لتيرنر بوصفه الخطوة التي سبقت "الانطباعيّة"، بركونه الشّديد إلى الضّوء، إلى تصوير البحر والسُّفُن، والشّمس التي تنيرُ مشاهد طبيعيّة حدّ "العمى" كما في لوحة "ريغولوس"3. حين تعترضني لفظة "انطباع/انطباعي" تتحفّز حواسّي، وأستشعر اقتراب تصريحٍ سيجبرني على الدّفاع، لكن عمّاذا؟ عن شيء ما، لعلّ جذوره تعود إلى وصم النّقد العربي القديم بالانطباعيّة في مقابل النّقد الغربي المنهجي والمطبوع بعقلانيّة لا تشوّشها الحواسّ والآراء، ذلك الوصم/الفصل الذي تبنّته الصُّحف حديثًا: هناك صفحة لمقالات الرّأي وأُخرى للنقد الجادّ!

رسم تيرنر لوحته هذه أوّل مرّة عام 1828م، ثمّ أعاد العمل عليها لينهيها عام 1837، وبين هذا وذاك، ارتبط المشهد المرسوم بلوحة الفرنسي كلود لوران "Seaport with the Villa Medici" التي رسمها عام 41637. 

(Seaport with the Villa Medici - Claude Lorrain)


بمقارنة سريعة، يمكن ملاحظة الفارق الذي تجترحه شمس تيرنر الباهرة مقارنة بشمسِ لوران المُخلِصة للحقيقة. شمسُ تيرنر غائبة، غير مرئيّة بوصفها قُرصًا أو دائرةً، أشعّتها أقرب للبياض منها إلى الصّفار، وتقسم التّكوين إلى نصفين، إن لم يكن بالقياسات، فبما تطبعه في النفس من إحساسٍ طاغٍ بفراغٍ يُجلّل المنتصف. ببساطة، شمسُ تيرنر غريبة، غرابتها تنبع من كونها تشبه الشّمس التي نعرفها بالقدر ذاته الذي تُفارقها فيه، إذ كما الأثر الذي يدلُّ على البعير، شمس تيرنر غائبة، لكنّنا ندركها من الأثر الذي تُخلّفه: أشعّتها؛ شمس ساكنة مثل شبح مارك فيشر، لائقة أكثر للتّعبير عن "حداد فاشل"، لكنّها ترفض الغياب، أو التخلّي عنّا، إذ "يتعلق الأمر برفض التخلي عن الشبح أو -وقد يرقى هذا أحيانًا إلى الشيء نفسه- رفض الشبح التخلي عنا"5.

 ذلك الفارقُ البسيط في التّصوير، ذلك الحداد، هو تمامًا ما أودّ "الدّفاعَ" عنه ضدّ "عقلانيّة" لوران التي تقيسُ الأشياء بالمسطرة: ضدّ الحزن على دمشق، وضدّ أيّ مَنْطَقَةٍ لما يصعبُ منطَقَتُهُ. 

***

إحدى تفاسير اللوحة الكثيرة، التي ادّعى بعضُها أنّ تيرنر هو أحد عناصرها المُصغّرة (الرّجل المُعمّم الذي يرتدي شَمْلَةً أسفل يمين اللوحة، على سبيل المثال)، والتي اختلف كثيرٌ منها في الموقع الذي تُصوّره (أهي في قرطاجة أم في روما؟)، تقول إنّ تيرنر رسمها من منظور القائد الرّوماني ريغولوس، بعد أن قطع القرطاجيّون جفنيه، ونحن لا ننظرُ إلّا إلى ما يراه بعينيه اللتين يتعذّر عليه إغلاقهما من جديد6. الشّمسُ في حالة ريغولوس مصدرٌ لضوءٍ لا ينقطع، ضوء حادّ، ضوء يجرح ونهايته واحدة: العمى، في مفارقة عنيفة يشترك فيها مصدرٌ واحدٌ بالضوء والظّلمة، بإيضاح الرّؤية وغيابها من ثمّ. وقد يُفسّر هذا اقتراب لون الشّمس من البياض: جرّبا النّظر إلى شمس الظّهيرة خمس ثوانٍ متّصلة ثمّ أغلقا عينيكما، ماذا تريان؟

ابتعدتُ عن اللّوحة قليلًا، وظلّت نظرة نجلاء تلاحقني (كأنّها شمسُ تيرنر؟)، أو لعلّها ليست نظرتها، بل ما تُحيلُ إليه من الفراغ، الوحشة التي تنتهي بالموت. ريغولوس يموت (ولو مجازًا) وهو ينظرُ إلى الشّمس، ونجلاء تنتحر. أحاول العثور على رابطٍ ما، ولو بالإقواء، متشبّثًا بحدسٍ لا رادّ له بأنّني أقتربُ من خيطٍ ما، ولا أجد سوى خيوط الشّمس تربّت على كتفي بحنانٍ أقرب للشّفقة، مُطلقَةً كلمة "آسف" أسمعها مترجمة، فيحلّ النّفور. 

أحاولُ الالتفاف على اللوحة هذه المرّة، فأجد نفسي أتابع فيلمَ مايك لي "مستر تيرنر" (2014)، علّي أعثرُ على مدخلٍ ما. لا أعثرُ على ريغولوس، بل أعثُر على مايك لي، الذي يقول في مقابلة أجراها للحديث عن الفيلم "هذا فيلم من ساعتين ونصف، بإمكانك أن تصنع فيلمًا من 12 ساعة أو من 25 ساعة عن تيرنر، [...]، بعض الأشياء تفسح المجال لتمثيلها دراميًّا أكثر من غيرها، [...]، وفي النهاية، ما همَّني حين كنت أصنع الفيلم هو الوصول إلى جوهر التجربة، جوهر ما يدور حوله [عمل] الرجل، جوهر حياته"7.

إذا جاز اختزالُ الفيلم، فيُمكن القول إنّه بورتريه نمطي عن انزلاق الفنّان إلى الجنون مُلاحِقًا سرابَ الإرث. جميل؟ رُبّما. مُكرّر؟ بالطّبع. زورا أيّ مؤسّسة فنّيّة، وستعثران على +10 فنّانين يعتقدون بأنفسهم الجنون، فالجنون حين يصير هويّة تُكسِبُه الأُلفةُ شرعيّةً وسلطةً يُحبّهما ويتواطأ عليهما الكثير. يبصقُ تيرنر في الفيلم على لوحاته ليَسْهُل عليه إعادة تشكيل الألوان، يُخرّب لوحات مجايليه ليعيد إصلاحها تاليًا، ويقاوم الوهنَ وهو على فراش الموت برسم سكيتش سريع لفتاة غريقة: تيرنر مجنون إذن تيرنر عظيم؛ لعلّ هذا ما يتمنّاه مايك لي لنفسه، أو يعتقد أنّها صورته، لعلّه يرى جمالًا في ذلك، وإلّا ما أنهى فيلمه وتيرنر على فراش الموت، تُصارع رئتاه أملًا في إدخال قليل من الهواء، لكنّه - ويا للمفاجأة - يستجمع أنفاسه ليصدح "الشّمس هي الله"، ثمّ بوم: يموت!

الموت، كما أعرفه، وكما شهدته أكثر من مرّة، لا كلمات أخيرة فيه، فهو ليس إعدامًا مُتخيّلًا يُسمح فيه للمحكوم بطلبٍ أخير، فيعيشُ طلبه وإن مات الجسد! الموت أبلد وأقلّ إثارة من ذلك بكثير، ولعلّه أقرب لسيرورة عملِ الفنّان منه للمنتج النهائي والنشوة التي تصاحبه: الموتى يذهبون بصمتٍ، بألمٍ وعزلة لا يُشاركهم أحدٌ إيّاهما، ولا يُبقونَ لنا سوى ذاكرة، كثيرًا ما تكون مشوّشة، تمامًا كما منتصف لوحة تيرنر. 

لمونتين مقالة بعنوان "التفلسف يعني أن يتعلّم [المرء] كيف يموت". وفي شرحٍ قد يوصم بالإيجابيّةِ بلغتنا الحديثة، يوضح مونتين المقولة في العنوان "نُزعجُ الحياة بالرّغبة في الموت. لم أرَ في حياتي فلّاحًا من جيراني يُفكّر بمقدار ما يقتضيه الموقف أو أيّة ضمانة يحتاجها لقضاء ساعته الأخيرة. الطّبيعة تُعلّمه ألّا يُفكّر في الموت إلّا حين تحين ساعته"8. أُعيد قراءة هذه المقولة المنسوبة لمونتين وأنا أُطالعُ لوحة تيرنر، أو شمسه، وأفكّرُ: ماذا لو أنّ الأمر خلاف ذلك، ماذا لو أنّنا نُزعج الموتَ بالرّغبةِ في الحياة عزيزي مونتين؟

هل يُمكن أن نستعين بفالتر بنيامين هنا؟ يقول بنيامين، في تفسيره للوحة بول كليه "ملاك التّاريخ"، التي شكّلت بالنّسبة له تفسيرًا لمفهوم التّاريخ الذي يتقدّم للأمام، مُعاينًا الماضي أو كومة الحطام المتراكمة حدّ السّماء: "هكذا ينبغي لملاك التاريخ أن يبدو. يولي وجهه شطر الماضي. ومن حيث تطالعنا نحن سلسلة من الأحداث، يرى هو فاجعة واحدة تراكم حطامًا فوق حطام وتلقي بها عند قدميه. يود الملاك لو يمكث، ويوقظ الأموات، ويلحم الشظايا. لكن عاصفة تهب من الفردوس لتتشبث بجناحيه بقوة تمنعه من طيّهما. تدفعه العاصفة بلا توقف نحو المستقبل الذي يوليه ظهره، بينما تنمو كومة الحطام أمامه صوب السماء. هذه العاصفة هي ما نطلق عليه التقدم"9

(Paul Klee - Angelus Novus)

لنعُد إلى لوحة تيرنر، ونسأل أنفسنا سؤالًا بسيطًا: هل تتقدّم خيوط الشّمس باتّجاه النّاظرين، أي إلى خارج التّكوين، أم تنسحب للوراء، عائدة صوب الشّمس بعيدًا عن النّاظرين؟ يشير تفسيرٌ آخر للوحة تيرنر بأنّها جاءت انتقادًا، أو إعلان وفاةٍ لعصر التّنوير، فالشّمس التي ظلّت كثيرًا استعارةً للعقل ومبادئ التنوير، ها هي تذوي في لوحته، مُعلنةً إظلام عيني أحد شخصيّات الحضارة الرّومانيّة الكِبار: الإمبراطور الروماني ريغولوس10. وعليه، لمَ لا نستمدّ من هذا التفسير منطلقًا لنا للقول إنّ الحواسّ (أحد عناصر التّنوير) قد لا يصلح الرّكون إليها بصورة مطلقة: شمسُ تيرنر ليست كالشمسِ التي نعرفها، ليست شمسَ لوران، فها هي أشعّتها تتقهقر إلى الوراء(مُجدّدًا؟).

بمفارقة عجيبة للوهلة الأولى، يحظى ريغولوس تيرنر بفرصة قلّ نظيرها: أن ينظر إلى موته بعينين لا تنغلقان، ربّما مثل جُثّة تشاهد موت الجسد الذي كان لها. هذا استطراد على اللوحة، لكن لو اختار تيرنر بالفعل تصوير المشهد من وجهة نظر ريغولوس، أي من وجهة نظر خارجيّة، فلا مفرّ لنا من محاولة الاستطراد، فاللوحة بكلّ ما فيها من صخبٍ وحركةٍ مُثبّتةٍ في لحظة زمانيّة واحدة، تستحيل إلى مُجرّد إلهاء، ولا أحاول هنا إلّا ما فعله تيرنر من قبل: تسليط الضّوء خارجها. 

وحسب السّابق، تبدو معاينة ريغولوس للشّمس كما لو أنّها حدثٌ ماضٍ يُستعادُ عبر الذّاكرة، فنظرته ثابتة لا تحيد، غير محكومة بالزّمان، مصّوبة دومًا نحو الأمام/الوراء، تستبقُ الحدث برؤيتها له، بمعاينتها لزمانيّته أثناء وقوعه، كما لو أنّه ينظرُ نحو الماضي لا نحو الحاضر أو المستقبل (لنتذكّر أشعّة الشّمس المتقهقرة). هل بإمكاننا أن نعدّ ذلك تفسيرًا جديدًا للذّاكرة؟ فالذّاكرة مشوبة بضبابيّة تنافي الحقيقة، أن تسردَ موقفًا يعني (بالضّرورة؟) أن تُعدّل عليه، أن تضفي عليه فهمك للعالم "غالبًا لا نتذكّر؛ لأنّ ذاكرتنا تتحوّل إلى شظايا نجمع منها ما يساعدنا على المتابعة، لكنّ الجرح يبقى عميقًا"11 كما تقول الفنّانة السوريّة رندا مدّاح في إحدى المقابلات، لكنّ الذّاكرة في حالة ريغولوس مساوية للحقيقة، إذ لا مجال لتزييف ما نراه، على الأقل بافتراض أنّ عينيه سليمتان.

***

"ليس شاغله أنّه وُلد، بل شاغله أنّه يموت" - بوب ديلان12

(من عمل رندا مدّاح "أفق خفيف")

يصف جون بيرجر منحوتات رندا مدّاح في عملها "بلا بشارة" مُخاطبًا إيّاها بالقول: "تترقّب المنحوتات أرضيّة لتقف، لتمشي وتستلقي عليها. وعلى ذلك فهي أكثر سكونًا من تماثيلكِ السّابقة وذلك السّكون يجعل من تراجيديّتها أقلّ قابليّة للنّسيان"13. استوقني تعبير "السّكون"، فعلى بدهيّته في وصف الموت/الموتى، يظلّ تعبيرًا مُستفزًّا، فكثيرة هي الأشياء التي يُمكن وصفها بالسّكون دون أن تحيل إلى الموت مباشرةً: النّظر إلى الأفق مثلًا، كما سنرى.

في عملها الآخر "أفق خفيف"، ولسبع دقائق متواصلة، نُشاهد سيّدة تتنقّل في أرضيّة باحةٍ يفصلنا عنها جدارٌ تتوسّطه نافذة وبابٌ مفتوح. تكنس السيدة الباحة ثمّ تشطفها وتمسحها، تُهيّئ لنفسها مطرحًا تُرتّبه بسجّادة ومنضدة وكرسي، ثمّ تجلس لتراقب الجولان، لينتهي "الفيلم" بالعبارة التّالية "عَيْن فيت، قرية سوريّة دمّرتها القوّات الإسرائيلية عام 1967"14.

(من عمل رندا مدّاح "أفق خفيف")

ما التّراجيدي في سيّدة تنظرُ إلى الأفق بعد توضيبها المكان، لو أمكن أن نستعير كلمات بيرجر لوصف هذا العمل؟ السّكون واضحٌ في عمل مدّاح هذا، نتتبّعه بتلصّص حتّى ظهور شارة الختام، لكن التراجيديا أكثر تفلّتًا من عملها في "لا بشارة". في "لا بشارة" ثمّة جثّة مقدّمة الصّورة، وفي مؤخّرتها، جسدان ملتصقان يطالعانها عن بُعد "بصمتٍ"، فيما يلوح وراءهما ظِلُّ كُرسيٍّ قد يُخيّل لنا، بقليلٍ من التّلاعب، أنّهما يتّخذانه مقعدًا، ليراقبا الجثّة الهامدة أمامهما.

(من عمل رندا مدّاح "بلا بشارة")

هل يُمكن لنا، كما فعل تيرنر حين جعلنا ننظرُ إلى المشهد بعيني ريغولوس المفتوحتين عنوةً، أن ننظر إلى الأفق بعيني التّمثالين من الصّورة الأولى، التّمثالين المُستلقيين على ظلِّ كُرسيٍّ واحد؟ هل يُمكن أن نقترح أن التّمثالين يُشكّلان استعارة لعينين تُناظران تراجيديا مُضاعفة: خسارة الجولان للاحتلال التي تشهد عليها الثقوب في الجدار الأيمن، والمأساة السوريّة المُستمرّة منذ أكثر من 13 سنة التي تشهد عليها الجثّة/التّمثال في مقدّمة الصّورة الأولى؟ 

أتساءل إن كانت تلك النّظرة هي ما يجعلُ الجثّة حقيقة، والأدهى، أو ربّما أقلّ قابليّة للنّسيان، أنّها ما يؤكّد وجود النّاظرين باسترجاعٍ للألم الذي خلّفه فيهم ذلك السّكون. 

***

"فقط عندما اعتقدتُ أنني أفوز 

عندما كسرت كل باب 

تهبّ أشباح حياتي 

أقوى 

من الرّيح" 

أشباح - فرقة جابان15


إذا كان الألم دليلًا علينا نحن، إذا كان هو هويّتنا المُضمرة التي لا تعترف بها سجلّاتنا المدنيّة: ريغولوس وتيرنير، "بلا بشارة" ورندا مدّاح، "العروس السوريّة" ونجلاء الوزّة… إلخ، فقد كافح الطّبّ النّفسي على مدار تاريخه ليمحو ذلك الألم. 

مُنح الطّبيب البرتغالي أنتونيو إيجاس مونيز عام 1949 جائزة نوبل في الطّب، عن تجاربه الطّبّية المُسمّاة "بَضْع الفَصّ" أو "الجراحة الفصِّيَّة" أو ما يُعرف بالـLobotomy. مع تصاعد حالات الإصابة بالاكتئاب وتقلّب المزاج والذُّهان والانفصام التي أدّت إلى امتلاء المؤسّسات النّفسيّة بالمرضى في سنوات الثلاثين من القرن الماضي، وبعد اطّلاعه على أبحاث مُجراة على القِرَدة، اقترح مونيز إجراءً طبّيًّا يسعى لفصل الفصّ الجبهي المسؤول عن التعبير العاطفي وحل المشاكل والذاكرة واللغة والحُكم والأفعال الجنسيّة والشّخصيّة عمومًا عن بقيّة الدّماغ وذلك بتدمير بعض الألياف العصبيّة المسمّاة بالمادّة البيضاء التي تربطه مع المِهاد الذي يعمل على استقبال ونقل الإشارات الحسّيّة16

بقطع ذلك الاتّصال، اعتقد مونيز أنّه سيتمكّن من إفقاد الفصّ الجبهي وظيفتَه، وتكشّف له بعد اختبار الإجراء على مرضى حقيقيّين أنّه ناجع بالفعل: تختفي الأعراض، لكنْ (أوبس) تختفي معها شخصيّة المريض، إذ يصير مُجرّدًا من أيّ إحساسٍ كان. 

ينتقل الإجراء الطّبّي من البرتغال إلى أمريكا، ويأخذ في سنوات الأربعين بالانتشار على نطاقٍ واسعٍ بعد عودة المُقاتلين من الحرب العالميّة الثّانية، فببساطة، المُجتمع لا يحتمل كُلّ أولئك المكلومين، وقد شكّل حلّ مونيز فتحًا عظيمًا: اقطع السّلك، وأطفئ كلّ تلك الفوضى. 

لكن، ما آليّة قطع ذلك السّلك؟ أودّ التّأكيد أنّ وصف الآليّة لا هدف له سوى إبراز المُفارقة، فما يبدو أنّه مجرّد تشبيه سخيف، كان واقعًا. مرّ الإجراء بمرحلتين، الأولى والتي كان مونيز مسؤولًا عنها، تُجرى بإحداث ثقبين عند طرفي الرّأس، ثمّ يُصبّ كحول الإيثانول في كلّ ثقب ليدمّر الأنسجة العصبيّة التي تربط الفصّ الجبهي بباقي الدّماغ17. لاحقًا، أدخل طبيبٌ أمريكيّ يُدعى والتر جاكسون فريمان تعديلين على ذلك الإجراء، الأوّل بالتّحوّل لاستخدام مطرقة حادّة بدل الكحول لفصل الفص الجبهي، والثّاني، والذي جاء لتجنّب إحداث أضرار في الجمجمة، بإدخال المطرقة من محجر العين بدل إحداث ثقوب في الدّماغ18

في تاريخ الطّبّ النّفسي، يؤرَّخُ للأدوية التي حيّدت إجراء مونيز بوصفها الخلاصَ (لا حاجة للتدليل على ذلك، افتحا صفحة أيٍّ من الأطباء النفسيّين على فيسبوك واقرآ ما يُنشر عليها)؛ إذ بات من الممكن أن يتجاور المريضُ مع شخصيّته دون أن يُشكّلا عبئًا على المُجتمع، لكن بنُسخة مُخفّفة من ذلك الكائن المُزعج الذي يُقلق من حوله، أحبّاءه على وجه الخصوص. 

***

"ما سبب هذا الاستعجال كلّه من أجل إبعاد جثثهم عن أعين الناس؟ أهي اللياقة؟ ما الشيء الذي يمكن أن يكون لائقًا أكثر من السماح لأم فتاة، أو لأبيها، برؤيتها ساعة إضافية، برؤيتها مستلقية في موقع الحادث نفسه، ظاهرةً كلّها... رأسها المُحطّم وبقيّة جسدها، وشعرها الملطّخ بالدم، وسترتها المبطّنة النظيفة؟ مرئية للعالم كلّه، من غير أسرار، مثلما هي!" - كارل أوفه كناوسغارد - كفاحي: موت في العائلة، ترجمة الحارث النبهان

أعدتُ مؤخّرًا قراءة رواية بيتر هاندكه "الشّقاء العاديّ"، وهي رواية تتحدّث عن الانتحار المُفاجئ لأمّ الكاتب، ذاك الذي لم يستوعبه، فراح محمومًا يؤرّخ لحياتها قبل أن تُولد حتّى، طمعًا في فهمٍ لهذا المآل الفاجع: "ها قد مرّت سبعة أسابيع على موت أمّي، وأودّ أن أنصرف إلى العمل قبل أن يتحوّل من جديد إلحاح الكتابة عنها، وكان بالغ القوّة لحظة دفنها، إلى مثل ذلك الصّمت الذّاهل الذي انتابني يوم بلغني نبأ انتحارها"19

انتحرت صديقتي في الثّامن والعشرين من آب 2017، لكنّ إلحاح الكتابة لم يستحِل مع مرور الوقت إلى ذلك الصّمت الذّاهل الذي خشي هاندكه أن يصيبه. طالما كانت الرّغبة موجودة، لكنّها ظلّت مُغمّسة بحزن وخجل من جعلها موضوعًا أستعيره للتّعبير عن فشلي في اقتحام الحياة، مثل ريغولوس رُبّما، ذاك الذي جعله تيرنر مُراقبًا أبديًّا لمشهدٍ يُشير إلى جفنيه الغائبين أكثر ممّا يشير إلى "المنظر البحريّ" أمامه. 

لكنّني لستُ هُنا لأحكي عنها، بل عنّي، وما منحتني إيّاه لوحة تيرنر من إمكانيّة إيقاف الزّمن، بل النّظر إليه عكسيًّا، إمكانيّة الحفاظ على ما مضى، بروزته أمامك مثل شمسٍ ناصعة البياض، لا تقتلُ بنفسها، لكنّها تجعلُ الألم حاضرًا بلا غشاء مُغطّى بكلامٍ غريب مفبرك على عجل. 

في الثّاني من تمّوز 2018، شهدتُ أوّل نوبة هلع دون أن تسبقها أيّ مقدّمات: خوف عارم ظلّل كُلّ شيء أعرفه أو أدركه. بعد أن عرفتُ التّشخيص، زرتُ عددًا لا بأس بهِ من الأطبّاء النّفسيّين. الإجراء المُتّبع بصرامة تُقارب البَلَه كالتّالي: في الجلسة الأولى، يأخذ الطّبيب/ـة بالسّؤال عن تاريخك السّابق واللاحق للمرض، ثمّ شيئًا فشيئًا، ينزلقُ الحوارُ إلى اختزالات خاطفة: هل تتأكّدُ من إغلاق الباب أو جرّة الغاز أكثر من مرّة، هل تنزعجُ من ميلان لوحةٍ حدّ الرّغبة بتصحيحها، هل راودتك رغبة في الانتحار، هل أقدمت يومًا على ذلك، هل سبق أن شعرتَ بطاقة مُفاجئة ودفقًا في الأفكار ورغبة ببدء مشاريعَ لا تني تتخلّى عنها، هل سبق أن شعرتَ بنقيض ذلك: فتور في الهمّة يتواصل أسابيع أو شهورًا؟ أسئلة على هذه الشّاكلة، الهدفُ منها التأكد من مطابقتك آخر قائمة صادق عليها التصنيف الدولي للأمراض (ICD) أو الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM): اكتئاب، قلق، اضطراب الشخصية الحدية، اضطراب ثنائي القطبيّة، اضطراب الوسواس القهري، الذهان، انفصام الشخصيّة… إلخ. 

مهما كانت الحالة، مهما اختلفت الشخصيّة، فالأدوية واحدة، غالبًا ما تستقرّ بداية على مُهدّئ للأعصاب ومثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) المُسمّاة عُرفًا بمضادات الاكتئاب، ثمّ تعقب الوصفةَ خطبةٌ عن كونك لستَ مجنونًا، وأنّك أقدمت على الخطوة الصّحيحة بعدم الخضوع لتصوّرات المُجتمع المغلوطة عن الطّبّ النفسي، ثمّ إحالة للسكرتاريا لترتيب جلسة قادمة، تُصاحبها 40 إلى 50 دينارًا نحصلُ قبالتها على ابتسامةٍ، وأملٍ بأنّ أحدًا ما على وجه البسيطة يفهمُ غرابتنا، تلك الغرابة التي تدفعنا لتجاهل الطّاحونة التي دوّى هديرها في البعيد، ولا رجاءَ بأن يتوقّف عمّا قريب. 

ما وددتُ قوله عن الطّبّ النّفسي، هو ذات القول عن مونيز: جميعهم يحاول أن يُعالج الأعراض، لكن ما لا يقولونه، عن قصدٍ أو جهل (أرجّح الأخيرة)، إنّ الهدف النّهائي هو عزلُ الذّاكرة التي تسببّت بتلك الأعراض، محوها، تحطيم الرّابط بينها وبين حيواتنا، كما لو أنّها المِهاد، ذلك الذي يُرتجى محو أثره، غافلين عن وقوعه، يا للغرابة، في منتصف الدّماغ. 

التزمتُ الصّمتَ في أغلب زياراتي للأطباء، مُنساقًا مع لعبتهم في الحديث عن الأعراض، في اعتناقهم الوسواسي (الهيستيري؟) لمفاهيم مُستوردةٍ من مواقع التّواصل الاجتماعي وكتب التنمية البشريّة عن التقدّم المُصاحب لمحبّة الذّات والاستماع من جديد إلى صوت الجسد الأنين، عن التّجاوز، عن التّركيز على "الآن وهُنا"، عن "التأريض" (Grounding)، والطّموح، وغيرها من المفاهيم المُستقبليّة، التي لا تتورّع عن نكران الماضي بصلافة لا سبيل معها سوى ارتخاء الفكّين. 

إذا كانت مشكلة دولوز مع التحليل النّفسي تكمن في اعتباره اللاوعي مسرحًا وإحالته كُلّ شيء إلى الطّفولة في هذيانٍ متواصل عن الأب والأم20، فيما يُمكن أن نُطلق عليه، بكثيرٍ من التصرّف، عبادةً للماضي، فإنّ مشاكل الطّبّ النفسي الحديث مع الماضي هي الكُفر المُطلقُ به: تبدو الأعراض لديهم كما لو أنّها اليوفوز UFOs: كائنات فضائيّة أشبه بكاريكاتورات دعائيّة لا ماضيَ لها، وُجدت لتحتلّ هذه البقعة من الأرض/الجسد، بلا سبب منطقيّ، ولا حلّ لنا سوى تعطيل الدّماغ ومحاربتها، ببراغماتيّة بلهاء تُشبه أمريكا أكثر من شبهها بفرعٍ طبِّيٍّ يدّعي الاعتناء بالنّفس. 

ماذا لو أنّنا نُزعج الموتَ بالرّغبةِ في الحياة عزيزي مونتين؟ 

كتبتُ عن صديقتي كثيرًا، وفي كُلِّ مرّةٍ كنتُ أبحثُ عن مُبرّرٍ أقوى لمعاودة الكتابة، في محاولةٍ للهربِ من شبح كناوسغارد رُبّما: أن تكتب عمّن تعرف لأنّك تستطيع، أو لعجزك عن كتابة شيءٍ آخر، أن تكتب عنهم ثمّ تُلاحقك تهمة استخدامهم موضوعًا للكتابة21. قد أكذبُ وأبرّر قائلًا إنّني أكتبُ عنها لأنّ ذكراها تزيد من رجفة يديّ، بأنّ نوبات الهلع دومًا ما تكون مصحوبة بصورة جانبيّة لها، بأنّها جعلتني ضحيّة أبديّة لخيارٍ لا شأن لي به حقًّا. لكنّني سئمتُ من الكذب والتّبرير، فأنا في الحقيقة أفعلُ ذلك، رُبّما مثل كناوسغارد، لأنّ ذلك يحلو لي، لأنّ الحديث عنها يجلبُ لي سعادةً أودّ إقحامها في أنوفِ كلّ القرّاء المُفترضين، ولأنّني ببساطة لا أفهمُ التقدّمَ سوى تمسّكًا بالماضي وجثثه المتراكمة: أن أحكي عنها يعني أنّني ما زلتُ بخير.

فكّرتُ، بعد أن تعرّفتُ على لوحة تيرنر، في ريغولوس الذي بدا لي أنّه لا يُناظر المشهد لأوّل مرّة بل يكرّره بأثرٍ رجعيّ، كما لو أنّه يُمسك بشريط الزّمن في مُشغّل أفلام إلكترونيّ، فتتحرّك خيوط الشّمس إلى الوراء كُلّما تحرّكت يده إلى اليسار (لو أطال ريغولوس الحركة إلى اليسار: هل يتمكّن من استعادة جفنيه؟)، كأنّ إمكانيّة الحفاظ على الذاكرة أو استعادتها تمامًا كما حدثت، باتت مُمكنة، كأنّ النّظر في الشّمس دون إغلاقِ العينين بات احتمالًا ممكنًا. 

***

نهاية العام 2013، نشرت صديقتي مُراجعة لرواية "عيناها" للإيراني بزرگ علوي حُذفت عن الإنترنت، لكنّ خاتمة المُراجعة ظلّت موجودة على صفحتها على موقع Goodreads "عيناها… ولكن من هي؟".

أتعرفُ الإجابة عزيزي تيرنر؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. بنيامين، فالتر. عن مفهوم التاريخ. ترجمة المصري، أميرة. 

https://www.madamasr.com/ar/2018/08/25/feature/ثقافة/عن-مفهوم-التاريخ/ 

  1. Beaumont, Matthew. Reason Dazzled: The All-Seeing and the Unseeing in Turner's Regulus. British Art Studies. https://britishartstudies.ac.uk/issues/issue-index/issue-15/turners-regulus 

  2. Beaumont, Matthew. Reason Dazzled: The All-Seeing and the Unseeing in Turner's Regulus. British Art Studies. 

  3. Beaumont, Matthew. Reason Dazzled: The All-Seeing and the Unseeing in Turner's Regulus. British Art Studies. 

  4. Fisher, Mark. Ghosts of My Life: Writings on Depression, Hauntology and Lost Futures. Zero Books. P.33 

"من منظور فرويد، يدور كل من الحداد والميلانكوليا حول الخسارة. لكن في حين أن الحداد انسحاب بطيء ومؤلم للرغبة الجنسية من العنصر المفقود، في الميلانكوليا، تظل الرغبة الجنسية مرتبطة بما اختفى للتّوّ. لكي يتّخذ الحداد بداية صحيحة، يقول دريدا في أطياف ماركس، يجب أن تُطرد روح الموتى: "يجب أن تضمن التعويذة عدم عودة الموتى: سريعًا، افعل كل المطلوب لإبقاء الجثة في موضعها، كي تتحلل تمامًا حيث دُفنت، أو حتّى لتُحنّط كما يحلو لهم القيام به في موسكو" (أطياف ماركس، ص 120) لكن هناك من لا يسمح بدفن الجثث، تمامًا كما يتماثل خطر (التّمثيل) في قتل شيء ما حدَّ أن يصبح طيفًا، [شيئًا] افتراضيًا خالصًا. يكتب دريدا "بمستطاع المجتمعات الرأسمالية دائمًا أن تتنفس الصعداء وتقول لنفسها: لقد انتهت الشيوعية، لكنها لم تحدث، بل كانت مجرد شبح. لا تفعل أكثر من التنصل ممّا لا يمكن إنكاره: الشبح لا يموت أبدًا، بل يحوّم دومًا كي يعود ويعود من جديد". (Specters of Marx ، ص123)

يمكن تفسير السكون، إذن، على أنه حداد فاشل. يتعلق [السكون] برفض التخلي عن الشبح أو -وقد يرقى هذا أحيانًا إلى الشيء نفسه- رفض الشبح التخلي عنا. لن يسمح لنا الطيف بالاستقرار على/الاكتفاء بـ المُرضيات المتوسطة القيمة التي يمكن للمرء الحصول عليها في عالم تحكمه الواقعية الرأسمالية".

  1. Beaumont, Matthew. Reason Dazzled: The All-Seeing and the Unseeing in Turner's Regulus. British Art Studies. 

  2. The Apollo Podcast. Film Special: Mike Leigh on Mr. Turner. Spotify.

https://open.spotify.com/episode/65yvliulfqJYXHUjQNYl6S?si=38a6f28ee3194928&nd=1 

  1. Xenophontos, Marianna. We’re all going to die. https://medium.com/brain-food-for-the-masses/were-all-going-to-die-e8196034717d

  2. .بنيامين، فالتر. عن مفهوم التاريخ. ترجمة المصري، أميرة. 

  3. Beaumont, Matthew. Reason Dazzled: The All-Seeing and the Unseeing in Turner's Regulus. British Art Studies. 

https://britishartstudies.ac.uk/issues/issue-index/issue-15/turners-regulus 

  1. مدّاح، رندا. حوار عزايزة، أسماء. فُسحة. 

https://www.arab48.com/فسحة/بصر/تشكيل/2020/06/25/لرندا-مداح-جولانان-حرية-ووحشة-%7C-حوار

  1. من مقدّمة الشّقاء العادي. هاندكه، بيتر. ترجمة حجّار، بسّام. دار الفارابي. ص7.

  2. Without annunciation. Installation, Fiber glass, 2010. BERGER, John.

https://randamaddah.com/?page_id=79 

  1. malek7243. مدّاح، رندا. فيلم روائي "أفق خفيف" لـ رندا مدّاح. Youtube.

https://www.youtube.com/watch?v=5ZkbeZi80yg 

  1. MagneticNorth71. Japan. Ghosts. Youtube.

https://www.youtube.com/watch?v=wOW4-oWnDPw 

  1. SciShow. The Worst Nobel Prize Ever Awarded. Youtube. 

https://www.youtube.com/watch?v=StrsvKSAbT8 

  1. The Controversial History of the Lobotomy. Psychcentral.

https://psychcentral.com/blog/the-surprising-history-of-the-lobotomy 

  1. Levinson, Hugh. The strange and curious history of lobotomy. 2011. BBC. 

https://www.bbc.com/news/magazine-15629160 

  1. الشّقاء العادي. هاندكه، بيتر. ترجمة حجّار، بسّام. دار الفارابي. ص9.

  2. MODERNITÉ ET LE POST-POSTMODERNISME. دولوز، جيل. جيل دولوز : الرغبة بنيوية (بنائية) تجميعية. Youtube. 

https://www.youtube.com/watch?v=WC7GcXj7rNc 

"الأمر بالغ البساطة، فيما أظن، بالغ البساطة بالنظر إلى موقفنا من التحليل النفسي. هناك أوجه متعدّدة، لكن بالنّسبة إلى مشكلة الرّغبة فإنّ المحلّلين النّفسيّين يتحدّثون حقًّا عن الرّغبة بالضبط كما يتحدّث عنها الكهنة، [...]، فماذا حاولنا أن نفعل في آنتي-أوديب؟ أعتقد أنّ ثمّة ثلاث نقاط رئيسية تتعارضُ مباشرة مع التحليل النّفسي. [...]، النقاط الثلاث هي: 1) أنّنا مقتنعان بأنّ اللاوعي ليس مسرحًا، ليس مكانًا يلعب فيه هاملت وأوديب مشاهدهما بلا نهاية، ليس مسرحًا، بل مصنعًا، إنّه إنتاج. اللاوعي يُنتج هناك، يُنتج دون توقّف، يعمل كمصنع؛ إنّه العكس تمامًا للرؤية التحليليّة - النّفسيّة للّاوعي باعتباره مسرحًا حيث تكون المسألة على الدّوام أنّ هاملت أو أوديب يذرعانه باستمرار، إلى ما لا نهاية. 2) الموضوع الثّاني أنّ الهذيان، الوثيق الارتباط بالرّغبة: فأن ترغب يعني أن تصبح هاذيًا إلى حدٍّ ما. وإذا نظرت إلى الهذيان مهما كان موضوعه، إلى أيِّ هذيان مهما كان، فإنّه بالضبط نقيضُ ما ألصقه به التّحليل النّفسي. أي، إنّنا لا ندخل في الهذيان عن الأب أو الأم، بل بالأحرى، يهذي المرء عن شيءٍ مختلفٍ تمامًا؛ هذا هو السر الكبير للهذيان، نحن نهذي "عن العالم بأسره". أعني، المرء يهذي عن التاريخ والجغرافيا عن القبائل والصحراوات والشعوب والأجناس والمناخات، هذا ما نهذي عنه…". 

  1. خرجت شائعات بأنّ عمّ كارل أوفه كناوسغارد هدّد بمقاضاته لكشفه كثيرًا من أسرار العائلة في الجزء الأوّل من روايته كفاحي. 

Garner, Dwight. At the Close of Karl Ove Knausgaard’s ‘My Struggle,’ a Magician Loses His Touch. The New York Times.

https://www.nytimes.com/2018/09/17/books/review-my-struggle-book-six-karl-ove-knausgaard.html