الثلاثاء، 23 أبريل 2013

خذلان، وتراجع


           أنا رومنسي أكثر من اللازم، وأظن أنه حان الوقت لأكبح نفسي. لا أعرف من أين أبدأ بعملية الكبح. أفكر في ضرب نفسي بالسياط، أو بربطي إلى أقرب عمود لفترة طويلة، وتجويع نفسي. وإن أشفق عليّ مرهفٌ ما سأشتمه، وأرميه بأقذع الأوصاف، حتى يبدأ بفهمي ويشاركني في تعذيبي.

           أفكر أيضًا في الاتصال بجمعيات حقوق الإنسان ليشهدوا كمّ الانتهاكات التي سأرتكبها بحق نفسي، وليشهد العالم بأني لست أفضل من أطفال فلسطين والصومال وسوريا وليبيا واليمن وغيرهم. ربما هناك اختلاف بيننا، فهم معذبون لأن الحياة لم تنصفهم، أما أنا فمعذب لفرط الرومنسية!.

           الرومنسية التي دفعتني لأن أشتري هدية لفتاة أعجبتني!. هل تخيلتم كم أنا ساذج؟ والله لقد فعلتها دون أن يرف لي جفن. لأكون صادقًا، لم أتصور أنها سترفضها في البداية، لكن هذا الذي حصل. وبناءً عليه حكمت عليّ محكمة غير معروفة  بالقصاص لأجلٍ غير مسمّى، حتّى أشفى من ذلك الداء، وأنا من مجلسي هذا فوق الكرسيّ البليد الرابض تحت وطأة جسدي أناشد أصحاب المحالّ أن يغلقوا أبوابهم في وجهي وأن ينشروا تعميمًا باسمي بأن لا يبيعني أحد منهم أيّ شيء.

           قد تتساءلون كيف سأتمكّن من شراء هديّة ما وأنا مربوط إلى عمودٍ قريب، ويضربني مرهفٌ ما!. لكنكم لم تفكّروا في احتماليّة استشراء المرض في جسدي، إلى درجة قد تدفعني إلى ضرب ذلك الشخص اللّزج "بكسًا" بين عينيه، مما سيسبّب له احتقانًا في الجيوب الأنفية فيما بعد.

           الآن لم يبقَ أمامي سوى مشكلة واحدة، هي أمّي، كيف سأقنعها بمدى حكمة ما سأفعل؟ هي تظنني ما زلت مراهقًا، أو ذلك الطفل الصغير الذي لن يكبر بعينيها –كما تقول باقي الأمّهات-، والذي لا يقوى على اتّخاذ قراراته بنفسه. هناك حلٌّ واحد، سأفتعل مشكلة معها، ونتصايح، وربّما يعلو صوتي على صوتها، ستحزن هي لذلك بالطّبع، وعندها سأستغلّ اللّحظة وأصعّد من موقفي بأن أعلن أنّي ذاهب، ذاهبٌ حتّى أهدأ. ثم سأفتح الباب وأطرقه خلفي بطريقة دراميّة معلنًا بذلك صفعي للصّورة التي رسمتها لي أمّي في خيالها طوال تسعة عشر عامًا، هي سنوات عمري. أنا أعلم أنها ستمدحني أمام الجارات فيما بعد، لكنّها الآن ستبكي، ليس لأنّي ذهبت، بل لأنّي خدشت مخيّلتها.

           الآن وأنا خارجٌ من البيت لم يبقَ لديّ ما يعيق ترويض ذاتي الرّومنسيّة، وفي خضمّ ثورتي المختلقة تلك، سأشاهد حديقةً أزهارها تثير فيّ حنينًا لشيءٍ قادم من زمنٍ سحيق، عشبها أخضر بالٍ، إلّا أن خضرته كانت طاغية، وفيها مقعدٌ يدير ظهره للعالم. حينها توقفت، خطفت نظرتين عن جانبيّ كي أتأكّد من أنّ أحدًا لم يشهد تراجعي السّريع ذاك. ذهبت لأجلس على المقعد، قطفت وردةً ذابلة، وأعلنت لنفسي بأنّها ستكون هديّتي القادمة لكِ!.

                                                                                                                                          ن.ع.م.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق