الثلاثاء، 23 أبريل 2013

قراءة في سيرة نزار قباني الثانية "من أوراقي المجهولة"


              هل هو درس في الجمال؟ أم أنه الجمال بحد ذاته؟

              ليس صحيحًا أن نزار شاعر بسيط، ويسهل القراءة له، كما يدعي بعض النقاد، أو أنصاف النقاد كما أسماهم نزار في كتابه هذا. على الرغم من أن هذا يحمل شيئا من الصواب، إلا أنه يشير باستهزاء إلى ضحالة شعر نزار. نعم نزار قباني شاعر يسهل القراءة له وإذا ما قارنّاه بشعراء معاصرين وعمالقة، أمثال أدونيس ودرويش وإيليا أبو ماضي وغيرهم، لوجدنا أن أسهلهم قراءة على الإطلاق هو نزار، فنزار أقلهم رمزية في شعره، وأقلهم تعقيدًا، ونصه لا يحتاج إلى تأويلات كثيرة، فهو يؤشر على نفسه بنفسه، على النقيض من أدونيس مثلًا، الذي لم تسعفني ذائقتي الشعرية ولا ثقافتي على فهم قصيدة واحدة له حتى اللحظة! ربما يعتبر البعض ذلك مأخذًا عليه، إلا أني أعتبره نقطة قوة كبيرة، فنزار وصل إلى قلب كل مواطن عربي من "الماء إلى الماء" كما قال هو

              هذا نص ينطق أكثر مما نطق أصلًا، ففيه من الجمال الشيء الكثير، ومن العذوبة ما يصعب وصفه في بعض الكلمات فنزار قباني لا يكتب شعرًا ولا يكتب نثرًا، بل هو يعري الكلمات ليبان الجميل منها والرديء وحده، إلا أنك لا تجد الرديء هنا،. فبضاعته مجربة، ولا تحتاج إلى شخص مثلي كي أقول أنها جميلة بل رائعة ومذهلة. نزار لا يحتاج للمرور من أمام نقاط التفتيش أمثالي، هو يمر بإنسانيته التي تجلت واقعًا وشعرًا

              لم أكن أعلم بأن الإنسان قادر على أن ينداح جمالًا بكل تلك السلاسة، وبلغة فائقة البساطة، بلا تعقيدات، ولا أحاجي، ولا دهاليز لغوية، كل الهدف منها هو استعراض العضلات، والتأشير على الذات بأنها تمتلك نواصي اللغة. كانت لغة الكتاب رقراقة، وكأن بالشعر والنثر يلتحمان ببعضهما كتوأم سيامي، فلا تعد تستطيع التفريق بين هذا وذاك.


              في هذا الكتاب، أو الكتيّب، يكشف نزار بعضًا من أوراقه المقلوبة، التي نسي أن يكشفها في سيرته الذاتية الأولى "قصتي مع الشعر"، تلك الأوراق التي تخبئ وراءها نزار الإنسان أكثر من نزار الشاعر، هو لم يختلف هنا، ما زال شاعر الحب، لكنه انتقل قليلًا ليكتب عن الحب نثرًا، ليكتب عن بيروت، جنة الستينات، وعن بحرها وشجرها ومطاعمها وناسها، ليكتب عن معضلة السياسة والمثقف، ليكتب عن أسوأ وأعجب اللحظات في حياته، ليكتب عن محمد عبدالوهاب ونجاة الصغيرة، ليكتب عن معاناته مع جهل السياسيين في بلده سوريا، وعن أشياء أخر كثيرة لن أستطيع أن أفيها حقها هنا

              سأنهي ما كتبت عن الكتاب بقصيدة "حبلى" لنزار قباني، لتقوم هي بمهمة التأكيد على عظمة هذا الشاعر الفذ:

لا تَمْتَقِعْ!

هيَ كِلْمَةٌ عَجْلَى..

إنّي لأشعرُ أنّني حُبْلَى..

وصرختَ كالملسوعِ بي.. "كلاَّ"..

سنُمزِّقُ الطفلا..

وأخذتَ تشتُمُني..

وأردتَ تطرُدُني..

لا شيءَ يُدْهِشُني..

فلقد عَرَفْتُكَ دائماً نَذْلا..

*


وبَعَثْتَ بالخَدَّام يدفَعُني..

في وحشة الدربِ

يا مَنْ زَرَعْتَ العارَ في صلبي

وكَسَرتَ لي قلبي..

ليقولَ لي:

"
مولايَ ليس هنا.."

مولاهُ ألفُ هنا..

لكنهُ جبُنَا..

لمَّا تأكَّدَ أنني حُبْلى..

ماذا.. أَتَبْصُقُني؟

والقيءُ في حَلقي يُدَمِّرُني

وأصابعُ الغَثَيان تخنُقُني..

ووريثكَ المشؤومُ في بَدَني

والعَارُ يسحَقُني..

وحقيقةٌ سوداءُ.. تملؤني

هي أنني حُبْلَى..

ليراتك الخمسون ..

تضحكني

لمن النقود.. لمن؟؟

لتجهضني؟

لتخيط لي كفني

هذا إذنْ ثَمَني؟

ثمنُ الوفا يا بُؤرَةَ العَفَنِ..

أنا لم أجِئْكَ لمالِكَ النَتِنِ..

"
شُكْراً.."

سأُسقِطُ ذلك الحَمْلاَ

أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق