الثلاثاء، 23 أبريل 2013

قراءة في فيلم ميكروفون


 


             منذ مدة، خرجت من غرفتي كي أستريح قليلًا من الدراسة. وما أجمل تلك الاستراحات، إذ تجد نفسك تبحث تلقائيا عن أي شيء جميل كي تطيل به مدة راحتك. هل الصدفة كانت وراء جلوسي قليلًا وراء التلفاز أشاهد مقطعًا من هذا الفيلم؟ أنا لا أومن بالصدف كثيرًا، لذلك فمن أول مشهد شاهدته، تخيلت تلك اللحظة التي سأكتب فيها تدوينة عن هذا الفيلم.

               حقيقة أستغرب أن تكون سماء الإبداع مرتفعة في السينما المصرية إلى هذا القدر، ربما هي ليست كذلك فعلًا، فدورة واحدة على قنوات الأفلام المصرية، تكاد تكون كافية كي تدمغ سينماهم تلك بإشارة (X) كبيرة. فالأسماء تتكرر في جل أفلامهم، ولا يوجد خصوصية للأدوار، فمن يبدع في دور ما، فهو قادر على الإبداع بأي دور كان. ويكفي ذكر اسم حسن حسني وعزت أبو عوف كدليل على ما أقول.

               هذا الفيلم، وبعض الأفلام الأخرى، هي الخيط الوحيد الباقي بين مجموعة كبيرة من الخيوط المتقطعة الأوصال. هي الشيء الوحيد الذي يهمس بأذنك أن لا تتعجل بالحكم. هي الشيء الوحيد الذي يجعلني متأكد بأن أولئك القوم لا زال لديهم ما يقولون، ولم تستنفذ صراعاتهم الداخلية كامل قواهم.

               الفيلم يتحدث عن ""خالد" (خالد أبو النجا) وهو يعمل كصحافي - أو لا أدري حقيقة، لأن هذه النقطة لم تكن واضحة تمامًا في سير الأحداث - مهتم بإبراز مواهب الـ "Underground"، أي الفرق المجهولة التي تغني في الإسكندرية، ويساعده في ذلك زميله في العمل، وبعض الأشخاص الذين التقاهم بالشوارع والمقاهي. وفي نفس الوقت تدور أحداث جانبية كثيرة، وهناك أبطال \ لا أبطال في الفيلم، لم يكن لهم دور – برأيي – إلا إبراز جانب من حياة الناس في الإسكندرية (كالبائع \ سارق أشرطة الكاسيت) الذي كان كل دوره في الفيلم هو الجلوس على حافة الطريق والإعجاب بالفتيات.

               يظهر جليًا دور المخرج في هذا الفيلم، وبصماته لا تخفى على أي متتبع للسينما. فالفيلم يتبع الأسلوب الحداثي بكامل أشكاله، فالأحداث لا تسير  في فلك واحد، بل تدور على عدة محاور، يربطها خيط شفيف. الكثير من التشظّي والبعثرة، لكني وجدت في هذا الكثير من الجمال أيضًا، فكل مشهد كان له خصوصيته وحميميته، بالأخص الحوار الذي دار بين خالد أبو النجا ومنة شلبي، والذي تقطّع إلى أجزاء كثيرة، كان تُبثّ على مراحل، انتهى آخرها مع انتهاء الفيلم تقريبًا.

               باعتقادي أن ما يميز فيلم عن آخر هو التفاصيل، وليس المشاهد الرئيسية، و "أحمد عبدالله السيد" هنا اعتنى أيما اعتناء بتفاصيل فيلمه، وقد أصر على أن يصبغ واقعية كبيرة على مشاهده حتى تكاد تخالها حقيقية جدا. وتجلت عظمة التفاصيل تلك لما برر خالد أبو النجا هدوئه الظاهري لحبيبته السابقة (منة شلبي) بقوله "أنه ليس بالضرورة أن يهزّ الإنسان رجله كتعبير عن توتره، فالحياة ليست بتلك البساطة كما الأفلام". لكنه في نفس الوقت كانت قدمه تتأرجح اضطرابًا.

               الأحداث سارت فوق أرض كبيرة من التناقضات، كانت تميل حينا إلى اليأس واللاجدوى من أي شيء، وحينًا آخر كانت نفحة تفاؤل تطغى على الأحداث، وأظن أن المخرج لديه الكثير من الرومنسية، فالمشاهد التي كان التفاؤل فيها طاغٍ كانت أجمل بمرات من تلك البائسة المتشائمة. وحتى تلك التي حاول أن يظهر فيها قسوة الظروف كانت تأخذ منحًا رومنسيًا أيضًا، فتجد تلك المشاهد تصور أمام البحر مثلًا، أو بمرافقة أغنية جميلة لأحد الفرق الموسيقية الكثيرة في الفيلم. وعلى الرغم من أن الفيلم انتهى نهاية حزينة ومخيبة للآمال، إلا أني أظن بأن "السيد" كان يريد لفت الأنظار إلى وجوب المحاولة، لأنها وحدها قادرة أن تقودنا إلى النجاح في النهاية، حتى وإن كانت الحكومة والشعب والأعين والألسن والحجارة والمقاهي وكل شيء ضدنا.

               الفيلم ثورة جميلة في مجال السينما، هو صفعة حقيقية للإخراج العربي، ومحاولة للنهوض بعيدًا. كنت قد شاهدت جزءا كبيرًا من الفيلم الأول للمخرج (هيليوبولوس)، وبعد مشاهدة هذا الفيلم، فبالتأكيد سأعود لمشاهدته مجددًا، أهنئ الممثلين وطاقم العمل على ما قدموه، رغم أن تهنئتي هذه جاءت متأخرة قليلًا. وبالطبع أكبر الإعجاب أرسله للمخرج على ما قدم.

                                                                                                                                      ن.ع.م.
                                                                                                                                03:10 صباحًا
                                                                                                                               22-04-2013




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق