تعرّفتُ
على ميشيل ويلبيك بداية عبر مقابلته
المُترجمة مع الباريس ريفيو. أغراني البحث عنه، ثمّ صادفتُ روايتين مترجمتين
له في مكتبة عامّة "احتمال جزيرة" و"الخريطة والأرض". وبعد
قراءات وحيرة، وتعثّر مع "احتمال جزيرة"، قرّرت قراءة "الخريطة
والأرض". وبعد سنة من إنهائها تقريبًا، تُرجِمَ عمله الأكثر "إثارة
للجدل": "استسلام"، فقرّرتُ قراءتها هي الأخرى.
ويلبيك لا
يني يصرّح بخوفه من الإسلام، خاصّة المطامح العريضة للمسلمين في تقلّد مواضع
الحكم. المُرعب في ويلبيك، وربّما المدهش، هو صدقه. ويلبيك لا يلقي بالًا للحدود
التي فرضتها الديمقراطيّة على ما هو مسموح أو غير مسموح التصريح به. يشعر بالعنف
الذي يسلّطه خطاب التسامح والتعايش ويعلن رفضه له، هكذا بكل بساطة. من بعيد، قد
يبدو مجرّد يميني تافه، لا يختلف كثيرًا عن مارين لوبِن، لكنّه ليس كذلك. رواياته
كما تصريحاته لا تنضح بروح القوميّة، كما هي عليه في الخطاب الجاري في الإعلام. بلى،
يمكن بتأويلٍ ما، تجييرها في ذلك المصبّ، إلّا أنّها ليست قوميّة صارخة، بل لعلّها
أقرب إلى الكبرياء، كبرياء من يرنو إلى الخراب، مصحوبًا برغبة ألا يشاركه أحدٌ ذلك
الخراب (يمكن ملاحظة ذلك في قصيدة: نظام جديد، المترجمة في الأسفل).
يملك
ويلبيك قدرة تخديريّة مذهلة، بإمكانه أن يصوّر المسلمين وحوشًا تارة، لكنّه يعود
ليؤكّد أنّهم أذكياء، بلا سخرية. في "استسلام" يعقد مقارنات كثيرة بين
مارين لوبِن ومحمّد بن عبّاس (شخصيّة روائيّة تصل لحكم فرنسا في الرواية)، ويبرز
ببساطة العابر فوق كومة جثث دون أن يعيرها الانتباه قدرات ابن عبّاس وذكائه، بل تفوّق
خطابه على كافّة المرشّحين.
قراءة
"استسلام" وضعتني، ربّما للمرّة الأولى، أمام حالة لا أستطيع معها
الانحياز بسهولة. أمقتُ خطابه (أو خطاب شخصيّاته) لكنّني لا أملك أن أرفضه، بل
أجدني متماهٍ معه طالما عنصر الجودة بالكتابة حاضر. وفي ظلّ البلبلة التي أقحمني
فيها، أجدني منساقًا مع رغبة باكتشافه أكثر فأكثر.
وجدتُ له بضع
قصائد مترجمة للإنجليزيّة من ديوانه "اللا متصالح"، فقرّرت ترجمة
بعضها. أوّلًا لأنّني وجدتها رقيقة للغاية، وثانيًا لأنّني أشعر بمسؤوليّة الكتابة
عمّن أحبّ من الكتاب على الدوام، وطالما لا أستطيع الكتابة عنه أكثر، لجأت إلى
الترجمة. مع الإشارة إلى أنّني لستُ شاعرًا ولا أعتبر ترجمتي جيّدة أبدًا. لكنّها
حاجة أقرب للعضويّة، أحاول تلبيتها قدر المستطاع بهذه الترجمة.
غيابُ
المُدّة المُحدّدة
إذا ما كتبتُ
شيئًا هل يجعله ذلك حقيقيًّا أكثر؟ إذا ما كتبتُ ما له لاحة النّثر أما زال بالإمكان
اعتباره شعرًا؟ بصراحة، لستُ واثقًا ممّا أقوم به. لا أحدَ منّا كذلك. كلّ هذا
مضيعة للوقت. ]فقط[ نملأ
الفراغات العريضة قبل أن نموت.
ألتقط كتابًا ثمّ أتساءل إن كنتُ قادرًا على حلّ معادلات ماكسويل إن كنتُ ماكسويل. لا بدّ أن تكون الإجابة نعم كما أعتقد لأنّ ماكسويل هو ماكسويل وقد تمكّن من حلّ المعادلات. كان يجبُ أن يعطيني هذا بعضًا من الأمل إلّا أنّه بطريقة ما جعلني أشعر أكثرَ أنّني لستُ كفئًا.
تقلّب 49: الرحلة
الأخيرة
المرّة الأولى
التي مارستُ فيها الحبّ
كانت على شاطئ
يونانيّ. وقت الغروب.
بدا الأمر
رومانسيًا لكنّه لم يكن كذلك حقًا.
قذفي المبكّر عدا
عن الأشياء العَفِنة
والفتاة، التي لم
أعرف اسمها قطّ،
أفلتت ]منّي[، مُصرّحة
أنّني عديم الفائدة.
حين عدتُ إلى
فرنسا ذهبتُ إلى مستشفى
لاعتقادي أنّني
أحمل مرضًا مُعديًا.
أحبّ المستشفيات. النتانة،
الرعب، الدموع.
إنّه ]المكان[ حيث تبدأ
الحياة وتنتهي.
في تلك الحالة
تبيّن أنّني لستُ مصابًا بالزهري.
لكن آجلًا أم
عاجلًا سوف أُصاب بمرضٍ قاتلٍ.
لعلّه السّرطان.
وحينها لن أكون مضطرًا لمغادرة المستشفى. جيّد.
نظام جديد
كانت ليلة بلا
نجوم، ]تمامًا[ كما
أُحبّها.
قد نفدت الزُّبدة
من عندي لذا ذهبت إلى السّوق.
في طريقي صادفتُ
مُسلمًا يقف بمفرده على الرّصيف.
سألتُه إن كان
سيفجّرني في هجومٍ انتحاريّ.
حدّق بي مشدوهًا.
لم يكن ثمّة ودٌّ في عينيه.
حين وصلتُ أخيرًا
إلى مونوبريكس*
تذكّرتُ أنّه قد
أُغلق
منذ شهور.
الروحانيّات
الحضور الأريب،
والقريب للإله
اختفى منذ أمدٍ
بعيد.
وإن كنتُ محظوظًا،
]سأختفي[ أنا أيضًا.
وأنت كذلك.
سوف نُنسى
في قعر محيطٍ مظلم
وأجسادنا ستمزّقها
الأسماك.
استهلاك
أستطيع سماع ]أصوات[ دعك أعقاب
السجائر
الرجل الأبتر في
البيت المجاور.
الدماء ]السائلة[ من أحشاء الجيران المنزوعة
تهدر في المواسير أسفل
الممرّ.
البوّاب يتذمّر
ويشاهد التلفاز.
كلّ هذا كان
ليختلف
لو أنّني ابتعتُ
بعض الأثاث.
رُبّما غدًا.
أُضيف سائل الجلي
إلى لائحة الأغراض
التي لن أبتاعها.
أُدركُ أنّني إنسان
لأنّني أريد أن أموت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): سلسلة متاجر
فرنسيّة.
عجبتني (وبعد قراءات وحيرة) :)
ردحذفيم من البداية ...
يتقول إنه بيختلف عن أمثال لوبين بس بشوفلك التقاطعات هي نفسها. لو إنو (رئيس) حزب وإلو أتباع/مطامع/مطامح سياسية هل الخطاب حيكون "غير" متطابق؟؟ مش عارف بس ظني إنو حيكون
شكرًا للترجمات، مش صحبة مع الشعر عمومًا بس قرأتهم وعجبتني نظام جديد
========================
*ليش ---> لا يلق؟ لازم يلقي، صح؟
معقول خطأ شائع وحضرتي نايم عوداني؟ :]
لا = نافية
لا أبدًا مش نايم عودانك.. أنا دايمًا بخربط بين لا الناهية ولا النافية فبطلع معي زي الإبداع اللي فوق..
ردحذفهسا أنا مش متأكد تمامًا تمامًا من رأيي بإنه بيختلف عن اليمين التقليدي، ومارين لوبِن مثلًا. بس بجوز الاختلاف كامن بالرغبة، أو بانعدام الرغبة عنده بإنه يصير رئيس حزب إلو أتباع/مطامع/مطامح.. ويمكن برجع الموضوع لكونه كاتب بالدرجة الأولى، يعني حتى عنصريته ممكن تُحتوى بقالب بلاغي أو وراء أقنعة شخصيات متبنية هذا الخطاب أو حتى شخصيات بتعارضه. بينما مارين لوبِن ما بتقدر غير تكون نفسها قدام الكاميرات. لكن من حيث الشكل، وخاصة بتصريحاته ومقابلاته، فهو يمكن أسلط وأوقح من لوبِن.
شكرًا لحضرتكم هيثم، دائمًا :)