سلافوي جيجيك (Slavoj Zizek) (1949) هو فيلسوف وناقد ثقافي سلوفيني، قدم مساهمات في النظرية السياسية، ونظرية التحليل النفسي والسينما النظرية. هو أحد كبار الباحثين في معهد علم الاجتماع بجامعة لوبليانا. (ويكيبيديا). هذه ترجمتي لمقالة كتبها بعنوان (If I ruled the world – reduce living standards) نشرتها صحيفة (Prospectmagazine).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في رواية مارتن كروز
سميث المثيرة "ميناء هافانا" (Havana Bay)،
يتم القبض على سائحٍ أمريكيّ في مؤامرة لإسقاط فيديل كاسترو، يكتشف لاحقًا أنّ
المؤامرة خطط لها كاسترو نفسه. يعي كاسترو جيدًا حجم السخط المتزايد على حكمه حتى
بين دوائر الموظفين الأكثر التصاقًا به، لذا فإنّه يعمد كل سنتين على تكليف عميلٍ
سريّ يقوم بتخطيط مؤامرة للإطاحة به، ليتاح له اقتلاع الخونة من جذورهم. فقط قبل
الشروع بتنفيذ المؤامرة يتم القبض على أولئك الساخطين وتصفيتهم. وهذا هو أوَّل ما
سأفعله لحماية ملكي فيما لو حكمت العالم – الله ذاته قام بذلك في رواية ج. ك.
تشسترتون "الرجل الذي كان الخميس"(The Man Who Was Thursday)،
لذا سوف أكون بصحبة جيدة.
وسيلتي الأخرى سوف تكون
تقليل مستوى معيشة رعيتي. لماذا؟ هنا سأتبع درس إسماعيل كاداريه في روايته القصيرة
"الهرم" (The Pyramid)،التي
يعلن فيها الفرعون المصري "خوفو" عن عدم رغبته في بناء هرمٍ كأسلافه.
متخوفون من اقتراحه هذا، تلفت حاشيته انتباهه إلى أنَّ عمليّة بناء الهرم مسألة
مصيريّة لحفاظة على سلطته. فهي طريقه لإبقاء شعبه فقيرًا، مشتتًا، وخاضعًا
بالمحصّلة. يدرك الفرعون مدى صحّة هذه الملاحظة؛ فتعمد حاشيته على دراسة خياراتٍ
شتّى للحدِّ من رخاء المواطنين: إقحام مصر بحروبٍ مع جيرانها، على سبيل المثال، أو
إحلال كارثة طبيعيّة بها (كالتّدخّل في التدفّق المنتظم (Regular Flow) لنهر النّيل
ما يعمل على تعطيل الزراعة). إلّا أنَّ هذه الخيارات يتم استبعادها لكونها في غاية
الخطورة (قد تخسر مصر الحرب، وقد تقود الكوارث الطبيعيّة إلى فوضى عارمة). لذا فهم
يعودون لفكرة بناء هرم هائل تُحشد من أجل بنائه موارد الدّولة، وتستنزف طاقات
سوادِ سكّانها، وتبقي الجميع تحت السيطرة. هذا المشروع يدخل الدّولة في حالةٍ من
الطوارئ على مدى عقدين من الزّمان، تمارس فيها الشّرطة السّريّة ملاحقة المخرّبين،
تنظيم الاعتقالات على الطّريقة الستالينيّة، الاعترافات العلنيّة، وأحكام الإعدام.
سأحاول إيجاد مشروعٍ مشابه لكنّه أليق بزماننا هذا، كأن أستثمر مبالغ هائلة في
إرسالِ بعثاتٍ من الناس إلى المرّيخ أو أيّ كوكبٍ آخر.
لتمويل المشاريع العامّة
المكلفة، أودُّ سَنّ قوانين تعمل على نشر التّدخين. المدخّنون الشّرهون يموتون
أسرع؛ فقط تخيّل كم الأموال المنفقة على المتقاعدين وعلى الرّعاية الصّحيّة الّتي
ستتخفّف منها الدّولة. في ظلّ حكمي، وعلى الطّريقة السّوفييتيّة، كلّ مدخّنٍ يتجاوز
استهلاكه علبتي سجائر في اليوم سيدفع ضرائب أقلّ وسيتلقّى رعايةًٌ طبيّةً خاصّة ً
لكونه بطلًا شعبيًا في رفد مواردنا الماليّة.
زيادةً على ذلك، لإصلاح
الأخلاق العامّة والتقليل من الانحراف الجنسيّ، أودّ إضافة تعليم جنسيّ إلزامي
لمناهج المدرسة الابتدائية. سوف تتبنّى هذه الحصص النّهج المجمل في عرض فريق
المونتي بايثون(1) الشّهير "معنى الحياة" (The Meaning of Life)،
حيث يشرح فيه أستاذٌ لتلاميذه كيفيّة إثارة شهوة امرأة. تحت وطأة جهلهم، يجنح
الطّلبة المحرجون إلى تجنّب نظرته وإجاباته المتلعثمة، بينما يعمد الأستاذ على
تأنيبهم لعدم تمرّنهم على هذا الأمر في المنزل. بمساعدة من زوجته، يوضّح المعلّم
كيفيّة إيلاج القضيب في الرّحم. أحد الطّلبة يلقي نظرة عابرة عبر النافذة، من ثمَّ
يسأله الأستاذ بسخرية : "هل تتفضّل وتخبرنا ما هو الشّيء السّاحر الّذي تنظر
إليه في الفناء؟". مثل هذا النّوع من التّعليم سوف يفسد بلا أدنى شك متعة
الجنس لأجيالٍ قادمة.
وأخيرًا وليس آخرًا،
للتّحقّق من أن يتعامل النّاس مع بعضهم باحترامٍ وودّ، سوف أشرّع قانونًا، يحتّم
وجود فترةٍ من الطّقوس يتمّ فيها تبادل الشّتائم السّوقيّة قبل البدء بأيّة محادثة.
لماذا؟ ألا يعدّ هذا متماشيًا مع المنطق السّليم الّذي يخبرنا أنَّنا لا ننفجر إلى
مجموعة من الشّتائم البربريّة – وسط محادثة هادئة – إلّا حين نشعر بالحنق ولا
نتمكّن إثره من مداراة إحباطنا؟ لكنّ المنطق السّليم خاطئٌ هنا (كما هو الحال
عادةً). ثمّة طقسٌ أقوم به مع بعضٍ من أصدقائي العزيزين: حين نلتقي، ننخرط في
الدقائق الخمسة الأولى في جلسةٍ رسميّة يهاجم واحدنا الآخر فيها ونتبادل شتائم مقذعة،
لا طعم لها. بعدها، حين يوهننا التعب، نعترف بإيماءة مقتضبة أنَّ ما أقدمنا عليه
عدا عن كونه مملًّا فهو مقدّمة لا مفرَّ منها وها قد انتهت، حينها يتخلّل واحدنا
شعورٌ بالرّاحة لوفائه بواجبه، ونسترخي لنعاود الكلام باعتياديّة وبأسلوبٍ مهذّب، تمامًا
كالأشخاص اللّطفاء والحذرين الّذين نحن عليهم. تطبيق مثل هذا الطّقس على جميع
النّاس سوف يضمن السّلام والاحترام المتبادل.
هل تعتقدون أنَّ هذا
مجرَّدُ مزاحٍ ملقًى في الهواء؟ عاودوا التفكير: ألا نعيش حقًا في عالم مشابه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): مونتي
بايثون: تعرف أحيانًا باسم (ذا بايثونز ((The Pythons)هي مجموعة بريطانية
للكوميديا السيريالية قامت بابتداع سيرك مونتي بايثون الطائر، وهو برنامج بريطاني كوميدي هزلي تمت
إذاعته لأول مرة على بي بي سي في الخامس من أكتوبر عام 1969. (ويكيبديا).
(2): نص
المقال الأصلي.