الخميس، 16 أكتوبر 2014

النسبيّة الجديدة: إسرائيل في أعين الكتّاب العالميّين!

          بين خيار جدارٍ عالٍ وصلد، وبيضة تتكسر على هذا الجدار، سأقف دومًا في صفّ البيضة” هذا ما قاله الروائي الياباني هاروكي موراكامي ،لدن تسلمه جائزة القدس لحرية الفرد في المجتمع سنة  2009(1). قال ذلك في معرض تبريره قبولين؛ قبول زيارته إسرائيل بعد حربها الأولى على غزة (2008-2009)، وقبوله الجائزة في ظل الصراع القائم.


هاروكي موراكامي مع شمعون بيريز
          لا يبدو أن نظرية آينشتاين النسبيّة مقتصرة على تفسير الظاهرة العلميّة (تغيّر: الزمن، الكتلة، الطول) فقط، بل يبدو أنّها تتعدّاها إلى النظرة الأخلاقيّة للصراع الفلسطيني / الإسرائيلي القائم منذ سنوات بعيدة. الإطار المرجعي الذي يتحدّث منه الشخص (موراكامي هنا) يجعلك تشعر بحجم المسافة الشاسع بينه وبين القضية. فالمسألة ليست “إطلاق أحكامٍ حول الصواب والخطأ” كما يقول، قد يكون الجدار على صواب والبيضة على خطأ. وكأنّه لا بدّ أن يكون هناك فرقٌ بين ما هو صواب، وما هو محتّم أخلاقيًا. يقول موراكامي في موطنٍ آخر من خطاب تسلمه الجائزة، أن أحد أسباب مجيئه كانت أنه لا ينصاع لما يمليه عليه الآخرون؛ الآخرون الذين نصحوه بعدم المجيء. هو إذن جاء ليستكشف الوضع عن قرب، أي أنه غير ملمّ بالشكل الكافي ليدلي بحكمٍ فصل. ومع ذلك لا يمكن أن يمرّ كلامه دون استشعار الحرج الذي وضع نفسه فيه؛ هو مع البيضة، لكنّه واقف في الطرف الذي ستُلقى فيه!.

بول أوستر يصافح شمعون بيريز. وفي الوسط الكاتب سلمان رشدي
          هذه النسبيّة، ليست مقتصرة على موراكامي وحده. الأمر ذاته ينطبق على العديد من الكتّاب ذوي الشهرة والمكانة العالمية، كبول أوستر (أمريكا / 1947) وجون كويتزي (جنوب أفريقيا / 1940) الحائز على جائزة نوبل 2003. الأمر مختلفٌ في حالة الإثنين؛ فبول أوستر تربطه وشائج عقائدية بإسرائيل نظرًا ليهوديّته. وكويتزي يدّعي أن المكوّن الثقافي ليهوديي لأوروبا ساهم في تشكيل وعيه (فرويد وكافكا خاصّة) على عكس العرب والمكون الإسلامي اللذين لم يكن لهما أي أثر عليه. في رسائلهما لبعض المعنونة بـ"Here And Now 2008-2011" (2012) يخرج أوستر بحلّ جذري للمسألة: أن يُنقل جميع الإسرائيليّون إلى ولاية وايومنغ (ولاية واقعة في الجزء الشمالي الغربي لأمريكا) فهي منطقة قليلة التعداد السكاني، لن يلبث الإسرائيليون أن يعمروها بلمح البصر. وهكذا ينتهي كلّ شيء!. يقول في نهاية الاقتراح أنّه حلّ يعلم أنه لن يتحقٌق، ثم يعود ليصفه بالحل (المزحة). على الطرف الآخر يكتب كويتزي رأيه بمباشرة أكثر، هو مدركٌ لحجم الغبن والافتقار للعدل اللذين عومل بهما الشعب الفلسطيني، لكن لا حلّ أمامه سوى الارتضاء بالهزيمة، كما ارتضت بها ألمانيا من قبل!. من ثم، وفي ارتدادٍ مفاجئ يعلن وقوفه، إن اضطرّ للاختيار بين أصدقائه اليهود – الذين يعني لهم الكيان الصهيوني الشيء الكثير – وإحقاق العدالة التاريخيّة، في صفّ أصدقائه!.

          مع إسقاط بعض الفروقات الصغيرة، الشخصية في الغالب، نلاحظ أن ذات الالتباس يتكرّر لدى جميع هؤلاء الكتاب. هناك فهم حقيقي وعميق لطبيعة الصراع، لكنّ اللحظة التي يتطلّب الأمر فيها اتخاذ موقف، تسيل الأمور حتّى لا يمكن الإمساك بها، من ثمّ تأتي تبريرات واهية من قبيل الصداقة والحب لبعض اليهود في حالة كويتزي، وأن إسرائيل قائمة على التسامح في أساسها في حالة أوستر، وأنها قامت على حرية التعبير في حالة موراكامي.

          كعرب، وشاهدون مقربون على أحداث قمع يوميّة، وثلاثة حروب خلال أقل من ست سنوات. علينا أن نسائل أنفسنا: هل يحقّ لنا مطالبة (الآخر)، سواء كان كاتبًا أم كان شخصًا أقل ثقافة بأن يتبنّى موقفًا جادًا من إسرائيل؟ إن كان كذلك، أليس الأولى التنبيش بذوي القربى أولًا، خاصّة لو كان كقامة رفيعة مثل نجيب محفوظ اذي لم يتوانَ عن تأييده لمعاهدة كامب ديفيد(2) التي أبرمها السادات مع مناحيم بيغن (المرتبط بمجزرة دير ياسين (1948)) سنة 1978؟ أم أن المبادئ لا فصل فيها بين عربيّ وآخر غير عربيّ؟.

خورخي لويس بورخيس
          يظلّ التاريخ الشاهد الأفضل على الكثير من المواقف المخزية أحيانًا؛ كموقف خورخي لويس بورخيس، القاص الأرجنتيني الشهير الذي ناصب إسرائيل وتحمّس لعصابات الهاغانا. بورخيس ذاته الذي كتب عن المتاهات يبدو أنّه دخل إحدى متاهاته دون أن يدري حين كتب قصيدة "إلى إسرائيل" نسة 1967 : 

"في هذا الكتاب (الكتاب المقدس) أنتِ، 

مرآة تُرى فيها :

الوجوهُ المنحنية على نفسها

ووجه الرب الكريستالي القاسي

حيث الفزع في الثنايا.

بوركت يا إسرائيل، لتحمي جدار الرب

في قلب المعركة."


          إلّا أنّ التاريخ ذاته، لا ينسى أولئك الذين نظروا للأشياء من إطارٍ واحد، سواءً شاءوا التأكد عن قرب أم فضّلوا المكوث داخل قوقعتهم؛ كجوزيه ساراماغو الذي قال بعد زيارته لمخيم جنين عام 2002 : “كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطّم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمكعلى الأرض لتعرف ما الذي جرى هنا. يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم أن ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقّف. لا توجد أفران غازٍ هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز. هناك أشياء تم فعلها من الجانب الإسرائيلي تحمل أعمال النازي في أوشفيتس. إنها أمور لا تغتفر يتعرّض لها الشعب الفلسطيني."

ساراماغو أثناء زيارته لفلسطين
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): جائزة القدس لحرية الفرد في المجتمع.
(2): تأييد نجيب محفوظ لمعاهدة السلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق