ما زلت أتذكر الشعور، كان
شيئًا كما لو خلقت لأعيشه، شيئًا يسبقني، يتعدى حقي في الاختيار. البرتغال ضد
إسبانيا يورو 2004، النتيجة النهائية 1-0 للبرتغال. ذاكرتي لا تسعفني كثيرًا لتذكر
المسجل، لكني أظنه نونو غوميش. كان كالحصان، انظروا كيف كان يربط شعره. كنت صغيرًا
حينها، 10 أعوام لا أكثر، لكنني فرحت كما لو كنت مشجعًا عتيدًا لبورتو، أو جامع
كراتٍ ترعرع في جنبات ملعب النور. اليوم، لا أجد تفسيرًا منطقيًا لذلك الانغماس في
الفرح. الأمر أشبه بالقبض على الفراشات، وحفظها بوعاء يتخلله الهواء من أعلى، كرة
القدم كانت ذلك الهواء.
في كل العالم، ترتبط
حياة كثير من المشجعين بالملاعب. كرة القدم على الشاشة أمر، وعلى أرض الواقع أمر
آخر. من البؤس أن يولد محبّ لكرة القدم في الأردن. لا واقع الملعب ولا المدرجات
تحفّز على الحضور أو حتى المتابعة الصامتة من على أرائكنا في المنازل. مع ذلك، حين
تحين الفرصة لا يمكن أن ترفضها. أول مباراة شاهدتها كانت بين الفيصلي والزمالك،
نصف نهائي كأس العرب. انتهت المباراة بالتعادل السلبي. لكن هذا لا يهم، ما يهم
الآن أنني لم أنغمس في شتم أمهات وأخوات لاعبي الوحدات!. ربما لو لم يكن والدي معي
لقمت بذلك. لا يوجد أسهل من الانجراف مع الهياج الجمعي، الكل كان يقفز، ويشتم
الوحدات، والأمر على ما يبدو كان مسلٍ. على الطرف الآخر من الملعب، بجانب جمهور
الزمالك الصغير، كانت فرقة من جماهير الوحدات، جاءت لتؤازر الفيصلي، ذلك الموقف
كان كافيًا لأحترم جماهير الوحدات طوال حياتي.
مرّت مسيرتي كمشجّع
بتقلّبات كبيرة، أبرزها تحولي من مشجع للريال مدريد في الـ 2005، إلى مشجع
لبرشلونة بعد الـ 2006. الآن، أقول دون تردد أن زيدان كان سبب حبي للريال. من المؤسف
أنه اعتزل ولم أزل صغيرًا. لكن، التحول الأبرز كان في نظرتي للعبة، فهي لم تعد منذ
زمن طويل أندية مكرسة، وأموالًا تركض. لا بدّ من نقاط ثبات، تحكم نظرتنا للعبة حتى
لا نملها. لا عجب أن لكل مشجعٍ نقاطه التي يتوكأ عليها. نقاطي كانت جماليّة في
الغالب، وتعتمد على الذاكرة كثيرًا، على الصدف أحيانًا في مشاهدة أشياء خارقة،
وعلى الكثير من الوقت المهدور وراء الشاشة، لكنّ النقطة الأكثر ثباتًا، الأهم بلا أدنى شك :
ليفربول X ميلان 3-3 (2005)
كادت المباراة تفوتني،
لولا أنني تذكرتها قبل البدء بخمس دقائق. وقتها كانت قناة عمان الرياضية الأرضية
تبث دوري الأبطال، وكان محمد المعيدي وحده سيدًا للقناة. تمر نصف دقيقة، ومحمد
المعيدي مختفٍ في أحد أروقة القناة. ضربة حرة لبيرلو، محمد المعيدي يتذكر مثلي
المباراة متأخرًا، الرجل يقول: ضربة حرة لميلان، من ثمّ، ودون أن يبلع ريقه : ياه
ياه (المعهودة)، مالديني سجل في الدقيقة الأولى. لا بدّ أنه خلط بين مالديني ونيستا ليلتها، لم أعد أتذكر، لكنها ليست غريبة عليه.
السيناريو الباقي معروف، ولا داعي لذكره. ما يهمّني من كلّ هذا هو الجماهير، بعد
وقتٍ طويل، ومتابعة أطول للفيربول، أستطيع القول، أنها كانت المرّة الحقيقية،
وربما الوحيدة التي غنى اللاعبون فيها للجمهور: "لن تمشوا وحدكم أبدًا"
وليس العكس. طبع اللاعبون يومها قبلة على وجه كل مشجع تورمت قدماه مشيًا وراء
النادي، حقيقة أو مجازًا. الآن، الكثير يتذكرون المباراة، لكن لا أحد يتذكر
بينيتيز العبقري (ليلتها فقط).
فارس الظلال؛ سمكة تموت تحت الضوء.
فارس الظلال؛ سمكة تموت تحت الضوء.
(الجماهير تغني ليلة اسطنبول)