الأحد، 6 يوليو 2014

ألبرتو مانغويل: القراءة هي منزلي

          هذه أوّل محاولة مكتملة للترجمة أقوم بها؛ هي خطوة كان لا بد من القيام بها لكسر حاجز الصمت الذي يلي كتابة أي شيء جديد. حين أقول لا بد منها، أعني على المستوى الشخصي، فأنا أعي تمامًا معنى أن تكون مترجمًا بائسًا، وأن أثر ذلك، ليس عائدًا على المترجم وحده، بل على كل من سيقرأ سطرًا ويغلق الصفحة، أو يلقي بالكتاب بعيدًا.

         لماذا هذا النص تحديدًا؟ بداية هذا النص معدٌ لينشر في موقع انكتاب، وبما أن الموقع حاليًا موجّه صوب القراءة والقرّاء، كان لا بدّ عليّ أن أبحث عن نصٍ يتلاءم وجو الموقع العام. من ثمّ فإن ألبرتو مانغويل معروف عالميًا باهتمامه الكبير بالقراءة. لا بدّ أن أشير أيضًا إلى كرهي للحديث عمّا لا أعرف، فأنا لم أقرأ أيًا من كتب مانغويل حتى اللحظة. وترجمتي لهذا الحوار معه، قد يكون نوعًا من التكفير عن الذات، وأنني في حال ارتكبت ذات الجريمة ثانية، قد أسمح لنفسي بالحديث عنه بعض الشيء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

         قام بالحوار: جوناثان ديربيشاير لصحيفة النيوستيتسمان

  • ما مدى تفاؤلك حول مستقبل الكتاب؟

         لا أعتقد أن الكتاب الورقي سيختفي، حتى في ظل سماحنا للتكنولوجيا أن تتوغل أكثر في حياتنا. الفكرة القائلة بأن أحد الطرفين لا بد أن يطغى على الآخر هي، ببساطة، كأننا ندفع الجديدة (التكنولوجيا) للتواجد وحدها على هذا الكوكب، لكنّ ذلك لا يحدث. كما لم يحدث سابقًا مع الفوتوغرافيا والرسم، كما لم يحدث مع السينما والمسرح، كما لم يحدث مع الفيديو. وكما لن يحدث مع التكنولوجيا والكتب المطبوعة. كنت في قمة السرور حين قام بلغيتس، قبل عددٍ من السنين، بكتابة كتاب يتنبأ فيه بموت الورق، من ثمّ قام بطباعته على الورق. أعتقد أن ذلك يقول الكثير.

  • إذن، فأنت لا تستخدم الكتب الإلكترونية (E-books

         لا. ليس لديّ شيء ضد هذه الأدوات. لكنني فقط أستخدم ما أجده مفيدًا. أعني، أنّني أجد السيارات مفيدة للغاية، لكنني لا أقود.

  • أيّ الغرف اختارتها الثقافة هذه الأيام للكتب؟

         لقد عمدنا إلى إزالة المكتبات، واستبدالها بالبنوك في أواسط مجتمعاتنا. هذه المواقع قابلة للزحزحة، على الرغم من أنّ أفكارنا حول القيم تتمحور حول ما هو تجاري، هذا كله يمكن تغييره. لو كان الربح المادي هو هدفك، عندها ستقول "كيف يمكن للقراءة أن تحقّق مدخولًا ماديًا؟" والجواب هو "لن تستطيع". لذا فالقراءة يتم ركلها إلى زاوية قصيّة في مجتمعاتنا. جرت العادة أن يتم نبذ القرّاء لأنهم يعدون أنفسهم أعلى من عامة الناس، وكذا تطوَّر المجاز الذي يصفهم وهم في أبراجهم العاجيّة. الآن ما زالت هذه الفكرة تحوم، حول أن القراء لا يتدخلون في الشؤون الاجتماعية والسياسية. بشكل أدقّ؛ بكل ما يخص العامّة. ولكن، من زاوية نظرٍ أخرى، قد يكون السبب في ذلك أنهم لا يجنون المال.

  • تضمّن كتابك (A reader on reading) مقالًا معنونًا بـ "ملاحظات حول تعريف المكتبة المثاليّة". أي المكتبات في العالم تجدها أقرب لأن تكون مثالية؟

         هناك واحدة فقط في نظري. وهي الآن تحت تهديد الاختفاء. تلك المكتبة هي آبي واربرغ (Aby Warburg’s) التابعة لمؤسسة واربرغ في لندن. تلك المكتبة صممت وفقًا لتصوّرك العقليّ، بطريقة تجعل الواحد منا يفكّر، أن الكتب تم ترتيبها دفعة واحدة، وليس وفقًا لأي تصنيف آخر. لا يوجد فيها زوايا، لذا فكل التقسيمات فيها صحيحة. أعتقد أن هذا هو التصوّر الأمثل للمكتبة. لقد عهد بها الآن إلى جامعة لندن، والتي تفكّر بإزالتها. لو حدث وقامت الجامعة بذلك؛ ستكون ارتكبت واحدة من أفظع جرائم عصرنا.


(مكتبة Aby Warburg - لندن) 

  • لديك مكتبة تضمّ أكثر من 30000 كتاب في منزلك في فرنسا. ما نظام التصنيف الذي تتبعه فيها؟

         حسنًا، بدايةً، ولأنها مكتبة خاصّة؛ أستطيع أن أفعل ما أشاء بها. ولذلك فأنا أتّبع نظام تصنيف واحدٍ فيها: حسب لغة الكتاب الأصليّة. وذلك ببساطة لأنّه أول نظامٍ اتبعته في تصنيفي للكتب. تحت كل لغة – الإنجليزيّة، على سبيل المثال – الكتّاب مصنفون وفقًا للترتيب الأبجديّ، وكذا كتب المقالات، الروايات، الشعر، وكل شيءٍ آخر. بعذ ذلك تأتي الاستثناءات؛ وهذه تحديدًا هي المساحة المفضّلة لديّ. تحتلّ كتب التاريخ من القرن الثامن عشر حتى الآن جزءًا من هذه المساحة، والعصور الوسطى تحتلّ الجزء الآخر. من ثمّ تجيء الكتب التي تحيط بالإنجيل، كتب عن القرآن، التصوف اليهودي، أسطورة دون خوان، أسطورة اليهودي التائه، الميثولوجيا، الروايات البوليسية، كتب الطبخ، البستنة، الترحال...



(ألبرتو مانغويل في مكتبة منزله) 

  • لقد سافرت كثيرًا في صغرك نظرًا لكونك ابنًا لدبلوماسي. وقد واصلت الترحال بعد ذلك. هل شكّلت مكتبتك نقطة ثابتة بالنسبة لك؟

         أعتقد أنّ الكتب لطالما كانت كذلك بالسنبة لي. أتذكّر؛ حين كنت طفلًا، كنت أصاب بالهلع لعدم معرفتي بتفاصيل المكان الذي أوجد فيه، أو حين معرفتي أين سأقضي الليلة، كانت تجربة عصيبة بالنسبة لطفل. ما كنت أفعله حينها، هو ترك الكتب التي بين يدي بسرعة والعودة لكتابٍ آخر أعرفه جيدًا لأتأكد من أنّ النصّ ذاته، وملاحظاتي عليه ما زالت هناك. دائمًا ما كنت أشعر بقدر كبير من الراحة مع الكتب، ذاك هو منزلي. في الواقع، لم أفهم أبدًا سبب الارتباط بمكان الولادة. كونه تصادف وولدتني أمي في مكانٍ ما، لا يبرر بالنسبة لعقلي، أي شعورٍ بالامتنان لذلك المكان. كان بالإمكان أن أولد في أيّ مكان آخر. 

- تم -


هناك تعليق واحد: